الأعمال الصالحة، فإذن حرف جواب، ويتكلوا منصوب بها (فأخبر بها) أي بهذه البشارة (معاذ عند) نزول مقدمات (موته) عليه (تأثمًا) أي طلبًا للخروج من إثم كتمان العلم، قال الهروي: يقال تأثم إذا أزال إثم كتم العلم عن نفسه لأن تَفَعّل يرد لإزالة الشيء بالنفس فتحنث أزال الحنث عنه، وتحرَّج أزال الحرج، وتأثم أزال إثم كتم العلم عنه، وتقذَّر إذا تباعد عن القذر، قال المازري: والأظهر أنه لا يعني ذلك في الحديث، لأنه إنما سكت امتثالًا للنهي بقوله: فلا تبشرهم، فأين الإثم حتى يزيله، قال القاضي عياض: يحتمل أنه سمع حديث أبي هريرة فرآه ناسخًا، أو رأى أن قوله لا تبشرهم ليس نهيًا حقيقة وإنما هو كسر عزيمة عن التبشير أو رآه نهيًا، ولكن عن إشاعته للعوام خوف الاتكال وهذا هو الظاهر، ويؤيد هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة فمن لقيت وراء هذا الحائط يعني من النفر الذين كانوا معه ولذا ترجم البخاري عليه بباب تخصيص قومٍ دون قوم بالعلم خوف أن لا يفهموا.
قال الأبي: لو تأثم لواحدة من هذه الثلاث لم يؤخر الإخبار إلى الموت إلا أن يقال إن الكتم إنما يتحقق بالموت أو يقال إنه رأى النهي عن التبشير إنما هو خوف الاتكال وخوف الاتكال إنما يكون في بدء الأمر أما بعد رسوخ الدين وتقرر الشريعة فلا يخاف ذلك فتأثم في التأخير إلى الآن اهـ.
قال النواوي: ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علمًا يخاف فواته وذهابه بموته فخشي أن يكون ممن كتم علمًا وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سننه فيكون إثمًا فاحتاط وأخبر بهذه السنة مخافة من الإثم وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن الإخبار بها نهي تحريم، وقال ابن الصلاح منعه صلى الله عليه وسلم من التبشير العام خوفًا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل، وأخبر به صلى الله عليه وسلم على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة، فإنه أخبر به معاذًا فسلك معاذ هذا المسلك فأخبر به من الخاصة من رآه أهلًا لذلك وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري وإنما أورده استشهادًا، ولم يورده استدلالًا مع كونه أصح من حديث أبي هريرة الذي أورده استدلالًا لعدم صراحته في الترجمة على رواية مسلم.