يعني معرفتك بأطيب نوع من الكباث تدل على أنك رعيت الغنم لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) رعيت الغنم لأهل مكة على قراريط (وهل من نبي) من الأنبياء، فالاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي ما من نبي من الأنبياء (إلا وقد رعاها) أي إلا وقد رعى الغنم، وأخرج النسائي من حديث نصر بن حزن قال: افتخر أهل الإبل وأهل الغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنم أهلي بجياد" والحكمة في رعي الأنبياء الغنم قبل النبوة أن يتدربوا على التواضع ويتمرنوا على ما يكلفون به في المستقبل من القيام بأمر أمتهم ولأن بمخالطتها يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا لضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها, ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر كذا في إجارة فتح الباري [٤/ ٤٤١].
(أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال جابر (نحو هذا) المذكور (من القول) كقوله "وما من نبي إلا وهو راعي الغنم" والشك من جابر أو ممن دونه، وقال القرطبي: والحكمة في ذلك أن الله تعالى درب الأنبياء على رعاية الغنم وسياستها ليكون ذلك تدريجًا إلى سياسة الأمم إذ الراعي يقصد مصلحة الغنم ويحملها على مراشدها ويقوم بكلفها وسياستها ومن تدرب على هذا وأحكمه كان متمكنًا من سياسة الخلق ورحمتهم والرفق بهم وكانت الغنم بهذا أولى لما خص به أهلها من السكينة وطلب العافية والتواضع وهي صفات الأنبياء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [٣٨٢٠] , والترمذي [١٨٤٠ - ١٨٤٣] , والنسائي [٧/ ١٤] , وابن ماجه [٣٣١٧].