لأن السلام على المعنيين إنشاء والتزام وقيل المعنى الله حفيظ عليكم، أو رقيب عليكم، فيكون السلام على هذا من أسمائه جل وعلا، قال بعضهم وهذا يتأول به من أجاز السلام على أهل المعاصي والظلم حال تلبسهم بذلك حتى كأنه يقصد وعظهم وتذكيرهم، وعلى في المعنيين بمعنى اللام أو على بابها على إضمار كون خاص، أي السلام مشتمل عليكم، وهو أبلغ، وقد بسطت الكلام على السلام وما يتعلق به من الشرائط والأحكام والصيغ في تفسيري حدائق الروح والريحان بما لا مزيد عليه فراجعه إن أردت الخوض في هذا المقام والله عزَّ وجلَّ أعلم.
قال القاضي عياض: وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: "أي الإسلام خير" أي أي خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" حض منه صلى الله عليه وسلم على تأليف قلوب المؤمنين، وأن أفضل خُلُقهم الإسلامية إلفة بعضهم بعضًا وتحببهم وتوادهم واستجلاب ما يؤكد ذلك بينهم بالقول والفعل، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحابب والتوادد وعلى أسبابهما من التهادي وإطعام الطعام وإفشاء السلام، ونهى عن أضدادها من التقاطع والتدابر والتجسس والتحسس والنميمة وذي الوجهين.
والألفة أحد فرائض الدين، وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام، وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعة ولا تملقًا لمن تعرف دون من لا تعرف، وجاء في الحديث:"أن السلام آخر الزمان يكون معرفة" وفيه مع ذلك استعمال خُلُق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة من لفظ السلام، ومن قوله "أفشوا السلام بينكم" وقوله "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" أي تسلم، قال أبو حاتم: تقول قرأ - عليه السلام -، وأقرأه الكتاب ولا تقول أقرأه السلام إلا في لغة رديئة، إلا أن يكون مكتوبًا فتقول: أقرأه السلام أي جعله يقرأه.
وهذا الحديث استدل به على الجزء الأول من الترجمة، واستدل على الجزء الثاني منها بما سيأتي، والحق أن الحديثين مختلفان، وإن كان الصحابي الذي روى واحدًا بدليل اختلاف السؤال والجواب فيهما كما مر عن القرطبي، فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب كلًّا من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، فقد يكون ظهر من أحدهما كبر وانبساط وانقباض عن الناس فأجابه بإطعام الطعام وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة