لأدلة أخرى أو أن النهي متأخر، وكان هذا عامًّا لمصلحة التأليف، ومن شك فيه فالأصل العموم حتى يثبت الخصوص انتهى، قال بعض العلماء متممًا له وكذا القول في المطعم المقدر مفعولًا ثانيًا، لتطعم في احتمال العموم والخصوص، ويحتمل أن يكون مفعول تطعم الثاني المقدر من عرفت ومن لم تعرف لدلالة ذكره مع تقرأ عليه من حذف الأوائل للثواني، أو يكون من عرفت متنازعًا فيه لهما وأُضمر في الأول وحُذف لأنه فضلة، وتنازع المتعددين إلى أكثر من واحد غير ممتنع، خلافًا لمن منع، وإنما ذُكر مع تقرأ لخفة السلام على النفوس، ولو ذُكر مع الطعام أولًا لأوجب النفور، فلا يُصغى لما بعده، فأُضمر في الأول لسهولة الخطاب بالمحتمل فقبل، ثم صرح به مع ما لم يَشُق فحينئذ يُتفطن لإرادته أولًا، ولا يمكن الرد بعد القبول وللتأنس به في الثاني فيقاس عليه الأول لأنه آخره، وقد يقال إن الطعام لما كان يشق له لا سيما بالحجاز، اكتفى بمطلقه لأن الفعل المثبت يَعُمُّ على الصحيح ترغيبًا فيما يُفعل منه وإن قل، ويكون المعنى تُطعم من أمكن ولو كان واحدًا، أو ما أمكن ولو شق تمرة، ولما كان السلام لا يشق لم يكتف منه إلا بغايته، وكلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم لا يُحاط بفوائده، يُنفق فيه ذو السعة في العلم على قدر سعته، ومن دونه على قدره، والكل لم يُحصلوا من ذلك البحر الزاخر الذي لا يُحاط بأبعاده إلا ما هو في النسبة كنقطة أو أقل منها إلى العالم كله، وهنا يدخل أنواع الأطعمة والولائم، وتسمية أنواعها، وتقسيم ذلك إلى الأحكام الخمسة، كل ذلك مستوعب في كتب الفقه اهـ س.
وفي الجملتين موازنة وطباق خفي، لأن تُطعم فعلٌ، والطعام جثة، وتقرأ قول، والسلام معنىً، وعدَّى تقرأ بعلى لأنهم شبهوا السلام لكونه قولًا وعبارة بالقراءة، فعَدَّوهُ تعديتها، ومنْ في قوله (من عرفت) الظاهر موصوليتها، وحُذف عائدها لطول الصلة، أو نكرة موصوفة.
ومعنى السلام عليكم إما الدعاء بالسلامة على المسلم عليه أي سلمك الله من الآفات دنيا وأخرى، وإما الخبر أي سلمت مني فإني مسالم لك لا محارب، وإنما كان علمًا على الأمان لأن العادة بين المتحاربين لا يسلِّم بعضهم على بعض وكانت عادة الجاهلية إن سلموا لم يحاربوا، وعلى هذا لا ينبغي للمسلِّم أن يغتاب من سلم عليه، ولا أن يتعرض لإذايته حاضرًا ولا غائبًا لأنه مناقض لما أعطاه وأخبر به من الأمان،