وحَيِّ ذوي الأضغان تحيي نفوسهم ... تحيتك الحسنى فقد يرفع العقل
إني أُحيي عدوي عند رؤيته ... لأدفع الشر عني بالتحيات
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم
وهذه الأبيات الثلاثة بحورها مختلفة، الأول من الطويل والثاني من البسيط والثالث من الخفيف، وإذا كان في مجرد السلام، فكيف بالطعام، حتى قيل ما وضع أحد يده في صحفة غيره إلا ذل له، لا يقال فإذا كان يورث الذل فينبغي أن يجتنب، وذلك مما يقدح في الترغيب في الإطعام المستفاد من الحديث، لأنا نقول مما جُبلت عليه نفوس الأكثر قبول ما فيه نفع لها ولا تبالي بما يحصل معه من ذل ونحوه، بل قد تتلذذ بذلك الذل، لما اشتمل عليه من المنافع.
(قلت) الإطعام المرغب فيه هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله جل وعلا، فلا يبالي حينئذ ما أعطى ولا لمن أعطى، أو دفع عن نفسه وعرضه وماله أم لا، أما ما لا فائدة له أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة وتكثير الانتفاع والثناء الدنيوي ونحو ذلك فليس بمقصود من الحديث، بل ربما كان بعضه محرمًا كالإطعام لبعض اللئام من الظلمة والفساق ممن يستعين بذلك على فساده ويغريه على أموال الناس، وتبقى لهم سنة سيئة في -أموال الناس على الدوام، قال السنوسي: قوله صلى الله عليه وسلم "على من عرفت ومن لم تعرف" ظاهر الحديث العموم فيمن يعقل ثم يُمكن تخصيصه بالمؤمنين، لأنهم هم الذين في توادهم وتراحمهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، ويمكن حمله على العموم فيتناول الكافر ولو حربيًّا، عند الاحتياج إلى ذلك لوعظ ونحوه، لأنه أرجى لقبولهم الإسلام، كما قال تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية، أو تُخصص أيضًا بالذمي، إما على رأي من يرى ابتداءهم بالسلام وإما باعتبار الرد إذا ابتدءوا به لأن تقرأ السلام يعم الأمرين الابتداء والرد، ويؤكد العموم من عرفت ومن لم تعرف لأنه يدل على كونه لله تعالى، لا لتوفية حق المعرفة، كما روي أنه يكون كذلك في آخر الزمان وقال بعضهم: ظاهر اللفظ يعم الكافر والمنافق والفاسق، (أجيب) بأنه خُص