وقوله:(حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) عبّر بالمضارع دون الماضي لقصد المبالغة بتصور تلك الحال الماضية حتى تكون نصب الفكر كأنها مشاهدة في الحال ليكون ذلك حاملًا على الامتثال. وقوله يترك معطوف على يأمر على معنى أنه لم يأمر بقتل كلب الحائط الكبير وهو مستفاد من وصف الحائط بالصغير وفيه دليل لمن عمل بالمفهوم وفيه نظر اهـ سنوسي. والمراد بالحائط هنا البستان.
(ويترك كلب الحائط الكبير) وفرّق بينهما لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه لسعته ولا يتمكن الناظور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير، والأمر بقتل الكلاب منسوخ وسبق إيضاحه في كتاب البيوع حيث بسط مسلم أحاديثه هناك اهـ نووي.
قال القرطبي:(قوله فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب) كذا رواه جميع الرواة "فأصبح فأمر" مرتبًا بفاء التسبيب فيدل ذلك على أن أمره بقتل الكلاب في ذلك اليوم كان لأجل امتناع جبريل من دخول بيته، ويحتمل أن يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرناه وهو أن ذلك إنما كان لينقطعوا عما كانوا ألفوه من الإنس بالكلاب والاعتناء بها واتخاذها في البيوت والمبالغة في إكرامها وإذا كان كذلك كثرت وكثر ضررها بالناس من الترويع والجرح وكثر تنجيسها للديار والأزقة فامتنع جبريل من الدخول لأجل ذلك ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقتل الكلاب فانزجر الناس عن اتخاذها وعما كانوا اعتادوه منها والله أعلم، وفيه من الفقه أن الكلاب يجوز قتلها لأنها من السباع لكن لما كان في بعضها منفعة وكانت من النوع المستأنس سومح فيما لا يضر منها اهـ من المفهم.
قوله (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) .. الخ هذا يدل على جواز اتخاذ ما ينتفع به من الكلاب في حفظ الحوائط وغيرها ألا ترى أن الحائط الكبير لما كان يحتاج إلى حفظ جوانبه ترك له كلبه ولم يقتله بخلاف الحائط الصغير منها فإنه أمر بقتل كلبه لأنه لا يحتاج الحائط الصغير إلى كلب فإنه ينحفظ من غير كلب لقرب جوانبه اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٦/ ٣٣٥]، وأبو داود في اللباس [٤١٥٧]، والنسائي في الصيد [٤٢٨٣].