ووجود المسبب يدل على وجود السبب، والثلاث متلازمة، فلا يوجد بعضها منفكًا عن الآخر حتى يُسأل عن مفهوم العدد، فيقال فمن وجدت فيه واحدة منهن (وجد) أي ذاق (بهن) أي بسبب وُجدانهن فيه (حلاوة الإيمان) ولذته، قال بعضهم فمعنى ذوقه حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضي الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي عياض: هو من معنى ذاق طعم الإيمان، لأن الثلاث لا توجد إلا ممن صح إيمانه وانشرح به صدره، فمعنى (وجد بهن حلاوة الإيمان) أي وجد الإيمان بسببهن لذيذًا في قلبه منشرحًا في صدره، مستطابًا له حتى لا يود أن يفارقه قدر لمحة، كأحب الأشياء عنده.
وعبارة المفهم هنا: وإنما خص الثلاث بهذا المعنى لأنها لا توجد إلا ممن تنور قلبه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشفت له محاسن تلك الأمور التي أوجبت له تلك المحبة التي هي حال العارفين.
قال الأبي: حلاوة الإيمان استعارة، شبه انشراح الصدر به بشيء ذي حلاوة، فهو لوجوده يستعذب الطاعة ويتحمل المشاق، فعن عتبة الغلام: كابدت الصلاة عشرين سنة ثم استمتعت بها بقية عمري، وعن الجنيد: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهوفي لهوهم، وعن ابن أدهم: والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف اهـ.
قال السنوسي: والتحقيق في بيان الاستعارة أن يقال: شبه ميل القلب إلى الإيمان للرغبة فيه بميله للخلق، فيكون من تشبيه معقول بمعقول، فاستعير له اسمه، والجامع عقلي، وقد يقال: إنه من استعارة محسوس لمحسوس والجامع حسي، أو من استعارة معقول لمحسوس، والجامع محتمل، ويحتمل أن تكون استعارة ترشيحية لقرنها بما يلائم المستعار منه وهو الحلاوة نحو قوله تعالى:{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} والأظهر أنها استعارة بالكناية، أضمر تشبيه الإيمان بشيء حلو وأضيف إليه لازم من لوازمه وهو الحلاوة على سبيل التخييل اهـ.
وعبارة إكمال المعلم "قوله ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" هذا الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم "ذاق طعم الإيمان" وذلك أنه لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للغير في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به