فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ, زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً مِنَ اللَّيَالِي, عِشَاءً, وَكَانَتِ امْرَأَةً طَويلَةً. فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ! حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزِلَ الْحِجَابَ
ــ
على ذلك حين أشار إليه به لاسيما قد كانت عادة نساء العرب أن لا يحتجبن لكرم أخلاق رجالهم وعفاف نسائهم غالبًا ولذلك قال عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
فلما لم يكن هنالك ريبة تركهن ولم ينههن استصحابًا للعادة وكراهة لابتداء أمر أو نهي فإنه كان يحب التخفيف عن أمته، ففيه من الفقه الإشارة على الإمام بالرأي وإعادة ذلك إن احتاج إليها وجواز إشارة المفضول على الفاضل وجواز إعراض المشار عليه وتأخير الجواب إلى أن يتبين له وجه يرتضيه أهـ من المفهم (فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) ذلك أي حجب نسائه عن الخروج ومنعهن منه انتظارًا للوحي (فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء) أي وقت عشاء قبل المناصع (وكانت) سودة (امرأة طويلة) تفرع النساء طولًا (فـ) لما رآها عمر (ناداها عمر) بقوله (ألا) أي انتبهي يا سودة وفكري في شأنك (قد عرفناك يا سودة) إلى أين تخرج أي ناداها (حرصًا على أن ينزل الحجاب) ورغبة في نزوله، والحرص شدة الرغبة في الشيء.
قال العيني: قوله (على أن ينزل الحجاب) بصيغة المجهول، وقال القسطلاني: وفي نسخة في الفرع بصيغة المعلوم وفي هذا منقبة عظيمة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم ونصيحتهم وتكرار ذلك عليهم اهـ نووي، قال العيني: ثم اعلم أن الحجاب كان في السنة الخامسة في قول قتادة، وقال أبو عبيد في الثالثة، وقال ابن إسحاق بعد أم سلمة، وعند ابن سعد في الرابعة في ذي القعدة اهـ قال القرطبي: وقول عمر في هذا الحديث (ألا قد عرفناك يا سودة) يقتضي أن ذلك كان من عمر رضي الله عنه قبل نزول الحجاب لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فيه حرصًا على أن ينزل الحجاب فأنزل الحجاب والرواية الأخرى تقتضي أن ذلك كان بعد نزول الحجاب فالأولى أن يحمل ذلك على أن عمر قد تكرر منه هذا القول قبل نزول الحجاب وبعده ولا بعد فيه، ويحتمل أن يحمل ذلك على أن بعض الرواة ضم قصة