إلى أخرى والأول أولى فإن عمر بن الخطاب وقع في قلبه نفرة عظيمة وأنفة شديدة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرح له بقوله احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر ولم يزل ذلك عنده إلى أن نزل الحجاب وبعده فإنه كان قصده أن لا يخرجن أصلًا فأفرط في ذلك فإنه مفض إلى الحرج والمشقة والإضرار بهن فإنهن محتاجات إلى الخروج ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما تأذت بذلك سودة "قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن".
(قالت عائشة فأنزل الله عزَّ وجلَّ الحجاب) أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب: ٥٣] كذلك روي عن أنس وابن مسعود رضي الله عنهما غير أن هذا يتوجه عليه إشكال وهو أن حديث أنس وابن مسعود يقتضي أن سبب نزولها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرس بزينب اجتمع عنده رجال فجلسوا في بيته وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا المجلس حتى ثقلوا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية رواه مسلم [١٤٢٨]، وحديث عائشة يقتضي أن الحجاب إنما نزل بسبب قول عمر احجب نساءك ويزول ذلك الإشكال بأن يقال إن الآية نزلت عند مجموع السببين فيكون قد تقدم قوله احجب نساءك وكرر ذلك عليه إلى أن اتفقت قصة بناء زينب فصدقت نسبة نزول الآية لكل واحد من ذينك السببين. [قلت] وهذا الحجاب الذي أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخصص به هو في الوجه والكفين، قال القاضي عياض: لا خلاف في فرضه عليهن في الوجه والكفين الذي اختلف في ندب غيرهن إلى ستره، قالوا: ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها ولا ظهور أشخاصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج إلى البراز وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
٥٥٣٢ - (٠٠)(٠٠)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا