كمله على جميع جنسه وفضله على سائر نوعه بما جبله عليه من المحاسن الظاهرة والباطنة، وبما فضله من الأخلاق الحسنة والمناقب الجميلة فهو أكمل من وطئ الثرى، وأفضل من ركب ومشى وأكرم من وافى القيامة، وأعلاهم منزلة في دار الكرامة.
قال القاضي: فلا يصح الإيمان إلا بتحقيق رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن اهـ.
قال القرطبي: وظاهر هذا القول أنه صرف محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتقاد تعظيمه وإجلاله ولا شك في كفر من لم يعتقد ذلك عليه، غير أن تنزيل هذا الحديث على ذلك المعنى غير صحيح لأن اعتقاد الأعظمية ليس بالمحبة، ولا بالأحبية ولا مستلزم لهما، إذ قد يجد الإنسان من نفسه إعظام أمر أو شخص، ولا يجد محبته، ولأن عمر لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين" قال عمر: يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي قال: ومن نفسك يا عمر قال: ومن نفسي فقال: الآن يا عمر" رواه أحمد (٤/ ٣٣٦) وهذا كله تصريح بأن هذه المحبة ليست باعتقاد تعظيم بل ميل إلى المعتقد وتعظيمه وتعلق القلب به، فتأمل هذا الفرق فإنه صحيح ومع ذلك فقد خفي على كثير من الناس وعلى هذا المعنى الحديث والله أعلم أن من لم يجد من نفسه ذلك الميل وأرجحيته للنبي صلى الله عليه وسلم لم يكمل إيمانه، على أني أقول: إن كل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به إيمانًا صحيحًا لم يخل عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنهم في ذلك متفاوتون فمنهم من أخذ تلك الأرجحية بالحظ الأوفى كما قد اتفق لعمر حتى قال: ومن نفسي، ولهند امرأة أبي سفيان حين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان وجهك أبغض الوجوه كلها إلي فقد أصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي ... الحديث، وكما قال عمرو بن العاص: لقد رأيتني وما أحد أحب إلي من رسول الله ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولا شك في أن حظ أصحابه من هذا المعنى أعظم لأن معرفتهم لقدره أعظم لأن المحبة ثمرة المعرفة فتقوى وتضعف بحسبها.