خشي الإيذاء استحب الجلوس حيث ينتهي المجلس كما فعل الثاني من الثلاثة، وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير كذا في فتح الباري، قال القرطبي: ومعنى ذلك أن هذا الرجل الأول لما انضم إلى الحلقة ونزل فيها جازاه الله تعالى على ذلك بأن ضمه إلى رحمته وأنزله في جنته وكرامته، والحق ما قلناه أولًا من معنى الإيواء ففيه الحض على مجالسة العلماء ومداخلتهم والكون معهم فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، وفيه التحلق لسماع العلم في المسجد حول العالم والحض على سد خلل الحلقة لأن القرب من العالم أرلى لما يحصل من ذلك من حسن الاستماع والحفظ والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة يتم الصف الأول فالأول (وأما الآخر) من الاثنين (فاستحيا) أي استحيا من مزاحمة الناس قاله القاضي عياض (فاستحيا الله منه) أي جازاه على استحيائه بأن رحمه ولم يعاقبه، وفي استعمال لفظ الاستحياء مشاكلة والحق أن استحياء الله لعبده صفة ثابتة له نعتقدها ونثبتها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الصفح والعفو عما وقع منه والإحسان إليه مع ما وقع منه، قال القرطبي: كأن هذا الثاني كان متمكنًا من المزاحمة إذ لو شرع فيها لفسح له لأن التفسح في المجلس مأمور به مندوب إليه لكن منعه من ذلك الحياء فجلس خلف الصف الأول ففاتته فضيلة التقدم لكنه جازاه الله على إصغائه للعلم واستحيائه بأن لا يعذبه وبأن يكرمه (وأما الآخر) يعني الثالث المدبر ذاهبًا (فأعرض) عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير عذر أو استكبارًا من أن يجلس وراء الناس (فأعرض الله عنه) أي سخط عليه، وفي التعبير بالإعراض مشاكلة أيضًا، والحق أن إعراض الله عن عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها السخط والتعذيب، قال الحافظ: ويمكن أن يكون هذا الثالث من المنافقين، وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة كذا في فتح الباري [١/ ١٥٧].
وقال القرطبي: إن كان هذا المعرض منافقًا فإعراض الله عنه تعذيبه في نار جهنم وتخليده فيها في الدرك الأسفل وإن كان مسلمًا وإنما انصرف من الحلقة لعارض عرض له فآثره فإعراض الله تعالى عنه منع ثوابه عنه وحرمانه مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم والاستفادة منه والخير الذي حصل لصاحبيه والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.