انخرق من (غربه) أي من دلوه، والغرب بفتح الغين وسكون الراء الدلو الكبير من الجلد وخرزه خياطة ما اخترق منه (وأعجن) بفتح الهمزة وكسر الجيم من باب ضرب أي أخلط العجين وأخمره (ولم أكن) أنا (أحسن) من الإحسان أي أعرف أن (أخبز) من باب ضرب أي أن أجعل العجين خبزًا وتسويته إياه (وكان) الشأن (يخبز لي) أي يجعل ذلك العجين خبزًا لي (جارات) جمع جارة أي نسوة ذوات جوار لي في المنزل كائنات (من الأنصار) أي من أهل المدينة (وكن) تلك الجارات (نسوة صدق) وإخلاص في الصداقة والمودة والمساعدة لي في شغلي.
وهذا أي امتهان أسماء نفسها وابتذالها في خدمة زوجها وفرسه وناضحه يدل على ما كانوا عليه من شدة الحال في أول الأمر وضيقها وعلى أن المعتبر عندهم في الكفاءة إنما هو الدين والفضل لا المال والغنى كما قال صلى الله عليه وسلم:"فعليك بذات الدين تربت يداك" متفق عليه، وإنما كان كذلك لأن القوم كانت مقاصدهم في النكاح التعاون على الدين وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولأنهم علموا أن المال ظل زائل وسحاب حائل وأن الفضل باق إلى يوم التلاق فأما اليوم فقد انعكست الحال وعدل الناس عن الواجب إلى المحال وجمع الأموال، وفيه أيضًا ما يدل على ما كانوا عليه من تبذل المرأة في خدمة زوجها وبيته وفرسه وإن كانت شريفة لكن هذا كله فعلته متبرعة بذلك مختارة له راغبة لما علمت فيه من الأجر والثواب وعونًا لزوجها على البر والتقوى ولا خلاف في حسن ذلك ولا في أن كل ذلك ليس بواجب عليها إذ لا يجب أن تخرز الغرب ولا أن تخدم الفرس ولا أن تنقل النوى، وإنما اختلف في خدمة بيتها من عجين وطبخ وكنس وفرش فالشريفة ذات القدر التي رفع في صداقها لا يجب عليها أن تفعل شيئًا من ذلك ولا يحكم عليها به ولا يجب عليها عند مالك أن تأمر الخدم بذلك ولا تنهاهم وليس عليها إلا أن تمكن من نفسها، وقال بعض شيوخنا: عليها أن تأمرهم وتنهاهم بما يصلح حال زوجها إذ لا كلفة عليها في ذلك ولجريان العادة بمثله في الأشراف اهـ من المفهم.
(قالت) أسماء (وكنت) أنا (أنقل) وأحمل (النوى) الساقطة من النخيل أو مما أكله