لأخيه (ما يحبـ) ـه (لنفسه) من الخيرات الدنيوية دينًا أو دُنيا، قال النواوي: وفي البخاري لأخيه دون شك، قال القاضي: والنفي هنا نفي كمال، أي لا يتم إيمان أحدكم حتى يكون للمؤمنين بهذه الصفة من كفه الأذى عنهم، وبذله المعروف لهم، ومودته الخير لجميعهم، وصرف الضر عنهم، والحديث -والله أعلم- إنما هو في أمور الدنيا، وأما في الآخرة فقد قال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} قيل ظاهر الحديث على التسوية والمعنى حينئذ ما قلنا، وقيل على التفضيل، والمعنى عليه أي حتى يحب لأخيه أن يكون أحسن حالًا منه لأنه الذي يحب لنفسه، لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه كان هو من المفضولين، وقد روي هذا المعنى عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان بن عيينة رحمهما الله تعالى: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك فما أديت لله نصحية، فكيف تود أنهم دونك.
قال ابن الصلاح: وهذا المعنى قد يعد من الصعب الممتنع، وليس معنى الحديث كذلك، بل معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحبه لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهةٍ لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله سبحانه من ذلك، قال الأبي: ويترجح هذا المعنى بأن التكليف به أيسر وبالأول كالمتعذر، قال السنوسي: في كثير من الروايات أعني في غير مسلم (لا يؤمن) بحذف الفاعل، وفي رواية (أحدكم) وهو المراد في الأخرى، وحذفه أدخل في العموم لصحة إسناده إلى كل ما يصحّ الإسناد إليه لبطلان الترجيح بلا مرجح، أي لا يؤمن أحد أو عبد أو الرجل، وقد رُويت كلها أو مكلف أو من يصح منه الإيمان، وحذف الفاعل للعلم به ولدلالة السياق عليه وارد في كلامهم وإن قل ومنه قوله تعالى {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أي الكائن في تلك الظلمة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر ... " أي الشارب.
وأما رواية (أحدكم) فلكونها ظاهرة في خطاب الصحابة فتحتمل أن غيرهم مثلهم في ذلك ويحتمل أن يقال إنهم لشرفهم يطالبون بالأكمل وغيرهم لكونه أدنى منزلة منهم يكتفي منهم بأدنى من ذلك ويحتمل أن يكون من الخطاب العام، ومعنى الحديث عند