أهل السنة لا يؤمن أحدكم إيمانًا أكمل أو أفضل أو نحو ذلك، والحديث لا بد فيه من تقديرات وإلا فُهم منه غير المراد (الأول) في قوله لأخيه لأنه لما تعذر قصره على أخ النسب تعيَّن تقدير صفة تعممه وغيره، تقديرها أي لأخيه المؤمن إن فُسِّر الخير المذكور في رواية النسائي بما زاد على الإيمان من الصفات الدين ية والدنيوية وهذا التفسير أولى، قال الشيخ محمد بن مرزوق: وإن فُسِّر الخير بالأعم حتى يشمل الإيمان الذي هو أصل كل الخير وغيره يكون تقديرها أي لأخيه الإنسان فيتناول الكافر والمؤمن، قال ابن مرزوق: وهذا التقدير أولى لأنه أعم وأشمل من تقدير المؤمن ولأن من الواجبات محبة الإيمان لكل أحد، كما وجب محبة ما يستتبعه الإيمان من الطاعات أيضًا، إذ لا فرق، وإنما محبة ذلك للمؤمن على سبيل التأكيد والترجيح لتحصيله الإيمان، وأما الوجوب ففي حق الجميع انتهى.
قال السنوسي بل التقدير الأول أولى لأوجه:
(منها) ما قدمناه من زيادة وصف الأخ المسلم في بعض الروايات.
(ومنها) أن الأخ إذا أطلق في الشرع في مثل هذا المقام لا يتبادر إلى الذهن منه إلا أخ الإيمان، كيف والله سبحانه إنما أثبت الأخوة بين المؤمنين فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ومفهوم الوصف أن غير المؤمنين ليس بأخ، وأما مفهوم الحصر هنا فلا ينفعنا لأنه إنما يقتضي قصر المؤمنين على الأخوة على سبيل المبالغة حتى كأنهم لا وصف لهم سواها.
(ومنها) أن الحديث إنما سيق لتأكيد الشفقة والرحمة والتواضع والنصرة وكمال المؤازرة والمناصرة على كل خير، ولهذا ذكر لفظ الأخ الموجب لذلك كله.
وهذه الأوصاف كلّها إنما تطلب في حق المؤمنين، إذ هم الذين كالبنيان يشد بعضهم بعضًا، وأما الكافرون فالمطلوب في حقهم ضد ذلك، والتسمية لهم شرعًا إنما هو بلفظ العداوة ونحوها مما هو مناف للمقصود بلفظ الأخ المذكور في الحديث، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} الآية، فذكر ما يُحرك القلوب ويهيج غضبها، ويحمي حمية ذوي التهمة للمبالغة في عداوة الكافرين والسعي في إهلاكهم وإذلالهم بقدر الإمكان، وقال تعالى في الثناء على قوم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى