ودقتها لا يتوصل إليها إلَّا آحاد الناس فيندر وقوعها وتستغرب آثارها لندورها، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأزمان ذلك وأكثره تخيلات لا حقيقة لها وإبهامات لا ثبوت لها فتعظم عند من لا يعرفها وتثتبه على من لا يقف عليها ولذلك قال تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحِرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} مع أنَّه كان في عين الناظر إليه عظيمًا كما عبر تعالى عنه بقوله: {وَجَاءُوأ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} لأن الحبال والعصي لم تخرج عن حقيقتها وذلك بخلاف عصى موسى فإنها انقلبت ثعبانًا مبينًا خرقًا للعادة وإظهارًا للمعجزة ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض وبإلقاء الشرور حتَّى يفرق الساحر بين المرء وزوجه ويحول بين المرء وقلبه وبإدخال الالام وعظيم الأسقام إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة وعلى ما قررناه فالسحر ليس بخرق عادة بل هو أمر عادي يتوصل إليه من يطلبه غالبًا غير أنَّه يقل ويندر اهـ من المفهم.
[قلت] رسمه الشيخ بأنه أمر خارق للعادة مسبب عن سبب معتاد كونه عنه قال فخرج المعجزة والكرامة اهـ أبي.
(قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها سحره يهودي (حتَّى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل) ويصوَّر (إليه) صلى الله عليه وسلم (أنَّه يفعل الشيء وما يفعله) أي والحال أنَّه لم يفعل ذلك الشيء حقيقة أي يزعم أنَّه فعل شيئًا لم يفعله أي كان يتخيل إليه أنَّه وطئ زوجاته وليس بواطئ وهذا التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل والقلب، بل السحر تسلط على جسده الشريف وظواهر جواهره اللطيفة لا على قلبه وعقله واعتقاده وهذا ما يدخل لبسًا على الرسالة، وفسر القاضي عياض هذا التخييل بقوله يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور (أنَّه يظهر له من نثاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على العطاء فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود) واستمر كذلك مسحورًا (حتَّى إذا كان ذات يوم) أي كان في يوم من الأيام، ولفظ ذات مقحم (أو) قالت عائشة، والشك من عروة أو ممن دونه (ذات ليلة) أي كان في ليلة من الليالي (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلب من الله تعالى الشفاء (ثم دعا) مرة ثانية (ثم