رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا) الشياه (منهم) فاقتسموها بينكم فإنها حلال لكم (واضربوا) أي واجعلوا (لي بسهم) أي بنصيب (معكم). قوله (وما أدراك) .. الخ، قال القرطبي: أي أي شيء أعلمك أنها رقية تعجبًا من وقوعه على الرقى بها ولذلك تبسم النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله وما أدراك أنها رقية، وكان هذا الرجل علم أن هذه السورة قد خصت بأمور: منها أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله عزَّ وجلَّ بأوصاف كماله وجلاله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلَّا بإعانته تعالى وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين وعلى بيان عاقبة الجاحدين، وقيل إن موضع الرقية منها إنما هو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} ويظهر لي أن السورة كلها موضع الرقية لما ذكرناه ولقوله صلى الله عليه وسلم وما أدراك أنها رقية، ولم يقل إن فيها رقية. وقوله (اقتسموا واضربوا لي بسهم معكم) هذه القسمة إنما هي قسمة برضا الراقي لأن الغنم ملكه إذ هو الَّذي فعل العوض الَّذي به استحقها لكن طابت نفسه بالتشريك فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة وهي القرعة فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، وإيقاف الصحابي قبول الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمل بما يجب من التوقف عند الإشكال إلى البيان وهو أمر لا يختلف فيه. وفي قوله (واضربوا لي بسهم معكم) مبالغة في تأنيسهم وتطييب قلوبهم وتعريفهم أنَّه حلال لا شبهة فيه، وقد فعل صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في حديث العنبر وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش. وقوله (وما أدراك أنها رقية) فيه تصريح بأنها رقية فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر أصحاب الأسقام والعاهات اهـ نووي. وقوله (صلى الله عليه وسلم خذوا منهم) فيه تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لا كراهة فيها وكذلك الأجرة على تعليم القرآن وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن وأجازها في الرقية .. إلخ اهـ نووي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ١٠]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الطب باب النفث في الرقية [٥٧٤٩] وباب الرقى بفاتحة الكتاب