يستحل، لنقصان إيمانه بالمعاصي (من لا يأمن جاره بوائقه) أي مكايده وغوائله ومضاره وشروره، والبوائق كالموبقات في المعنى، جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والخديعة والمكر والفتك، قال القاضي: أي لا يدخل الجنة من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن فكيف بالجار، وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يعاقب ويجازى بفعله إلا أن يعفو الله عنه، وهذا وعيد شديد، وفيه من تعظيم حق الجار ما فيه، والظاهر في الحديث أنه خبر لا دعاء وفي رواية أخرى "والله لا يؤمن (ثلاثًا) من لا يأمن جاره بوائقه" رواها البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، وفي "باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه" عن أبي شريح الخزاعي (٨/ ١٢) وأحمد في المسند (٢/ ٢٨٨، ٤/ ٣١، ٦/ ٣٨٥) والحاكم في المستدرك (١/ ١٠، ٤/ ١٦٥).
وهذه الرواية أصرح من ترجمتنا، ومعناها ليس من أهل الإيمان إن استحل ذلك بعد علمه بتحريمه، أو لا يتم إيمانه ولا يكمل لنقصانه بتلك المعصية إن لم يستحل ذلك، والرواية الأولى موافقة لها بالمفهوم لأن عدم دخول الجنة لعدم إيمانه.
قال القاضي عياض: كون الرجل بحيث يُتقى شره معصية، فكيف بها مع الجار الذي عظم الشرع حُرمته وندب إلى إكرامه (فإن قلت) من لا يأمن جاره بوائقه إن وقعت منه إذاية أو تسبب فيها فواضح، وإن لم تقع فغايته أنه هَمَّ بها، فيُعارض بحديث "إذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها فلا تكتبوها".
(قلت) الهم الذي لا يكتب إنما هو الهم الذي لم يقع متعلقه في الخارج، كالهم بشرب الخمر ولم يشرب، وهذا وقع متعلقه لتأذي الجار بتوقع ذلك منه كالمحارب يخيف الطريق ولم يصب أو يقال الواقع منه والحالة هذه عزم لا هم، والعزم مؤاخذ به على الصحيح اهـ أبي.
قال النواوي: وفي معنى هذا الحديث وأشباهه قولان: أحدهما أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخل الجنة أصلًا، والثاني أنه لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يُجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولًا إن لم يستحل الإيذاء، وإنما أولنا بهذين التأويلين لأنا قدمنا أن