مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرًا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولًا وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة والله أعلم اهـ.
قال القرطبي (قوله لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) الجار هنا يصلح للمجاور لك في مسكنك، ويصلح للداخل في جوارك وحرمتك إذ كل واحد منهما سواء في وجوب الوفاء بحقه وتحريم أذيته تحريمًا أشد من تحريم أذى المسلمين مطلقًا فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مُضرًّا لجاره كاشفًا لعوراته حريصًا على إنزال البوائق به، كان ذلك منه دليلًا، إما على فساد اعتقاد ونفاق فيكون كافرًا ولا شك في أنه لا يدخل الجنة وإما على استهانة بما عظم الله تعالى من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار فيكون فاسقًا عظيمًا ومرتكب كبيرة يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم عليه بالكفر، فإن المعاصي بريد الكفر فيكون من المصنف الأول، وإن سلم من ذلك ومات غير تائب فأمره إلى الله تعالى فإن عاقبه بدخول النار لم يدخل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنة المعدة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا التفصيل ينبغي أن يحمل ما في هذا الباب مما قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إن فاعله لا يدخل الجنة مما ليس بشرك للأدلة المتقدمة، ولما يأتي في أحاديث الشفاعة.
والبوائق جمع بائقة وهي الداهية التي توبق صاحبها أي تهلكه، وقد تقدم ذكرها والله أعلم اهـ.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة ولا متابعة فيه، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (٢/ ٣٧٣) وانفرد به عن أصحاب الأمهات.