الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه، وأخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء بنت عميس قالت (إن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتَّى أغمي عليه فتشاورن في لده فلدوه فلما أفاق قال:"هذا فعل نساء جئن من هنا" وأشار إلى الحبشة، وكانت أسماء منهن - وكانت هاجرت إلى الحبشة - فقالوا: كنا نتهم بك ذات الجنب فقال: "ما كان الله ليعذبني به، ذكر الروايتين الحافظ في الفتح [٨/ ١٤٨](فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا بيده الشريفة عندما أردنا لده بـ (أن لا تلدوني) أي لا تصبوا الدواء في أحد جانبي فمي قهرًا بلا اختياري (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) أي لتناول الدواء، قال عياض: ضبطناه بالرفع فيكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا الامتناع كراهية .. إلخ، ويحتمل نصبه على أنَّه مفعول لأجله لفعل محذوف والتقدير نهانا من لده لأجل كراهية المريض للدواء، ويحتمل نصبه على المصدرية لفعل محذوف أي كرهه كراهية المريض الدواء (فلما أفاق) من إغمائه بعدما لددناه (قال لا يبقى أحد منكم) أي ممن لدني الدواء (إلا لد) أي صب في فمه هذا الدواء (غير العباس) بن عبد المطلب (فإنه) لا يلد لأنه (لم يشهدكم) أي لم يحضر معكم حين لددتموني، قال الحافظ: والذي يظهر أنَّه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا إليه فكان ذلك تأديبًا لا قصاصًا ولا انتقامًا وهذا ظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن من دأبه الانتقام لنفسه فكان دأبه أن يعفو ويصفح ويؤخذ من هذا الحديث أن الإشارة المفهمة تعطى حكم اللفظ في الأوامر والنواهي، وأما سبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن اللد مع أنَّه كان لا يمتنع من التداوي فالأصح أن اللدود غير ملائم لمرضه لأن أهل البيت ظنوا أن به ذات الجنب فأرادوا التداوي بما يلائمه مع أنَّه لم يكن به ذات الجنب وهو الَّذي حققه الحافظ ورجحه.
"تتمة"
إن امتناعه صلى الله عليه وسلم من اللدود لم يكن تحريمًا له ولا بيانًا لكراهيته الشرعية وإنما كان هذا الامتناع لأسباب خاصة في تلك الواقعة فلا يصح به الاستدلال