على كراهية اللدود مطلقًا كما توهمه ترجمة من ترجم لهذا الحديث بكراهية اللدود ومن المعلوم أن التراجم في هذا الجامع ليست من وضع الإمام مسلم وإنما وضعها من بعده من الشراح والمصححين للمتن بحسب ما ظهر لهم وفهموه من الحديث والله أعلم.
قال القرطبي:(قولها لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وضعنا في فمه اللدود بفتح اللام وهو ما يجعل في أحد جانبي الفم والوجور بفتح الواو هو ما يصب في وسط الفم. وقوله (لا تلدوني) نهي ظاهر في المنع فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك غير أنهم تأولوا أن ذلك من باب ما علم من أحوال المرضى من كراهتهم الدواء فخالفوه فعاقبهم بأن اقتص منهم ففعل بهم ما فعلوا به فكان فيه دليل على مشروعية القصاص في كل شيء يتأتى فيه القصاص كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ}[البقرة: ١٩٤] وقال بعض أصحابنا: فيه ما يدل على قتل الجماعة بواحد لأنهم لما تمالئوا وتعاونوا على لده اقتص من جميعهم، وفيه بعد لإمكان مراعاة الفرق فإنه يمكن أن يقال جاز ذلك فيما لا إراقة دم فيه لخفته في مقصود الشرع ولا يجوز ذلك في الدماء لحرمتها وعظم أمرها في مقصود الشرع فلا يصح حمل أحدهما على الآخر وإنما الَّذي يستنبط منه أن الحاضر في الجناية المعين عليها كالناظور الَّذي هو الطليعة كالمباشر له فيقتص من الكل لكن فيما لا دم فيه على ما قررناه، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله:"إلَّا العباس فإنه لم يشهدكم" وفيه من الفقه منع إكراه المريض على الطعام والشراب والدواء كما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب" فإن الله تعالى يغذيهم" رواه الترمذي وابن ماجة اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٦/ ٥٣]، والبخاري في الطب باب اللدود [٢/ ٥٧]، وفي الديات باب قتل الرجل بالمرأة [٦٨٨٦].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها فقال:
٥٦٢١ - (٢١٧٩)(٢٣٢) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة