إني مصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة المشددة أي مسافر في الصباح راكبًا (على ظهر) أي على ظهر الراحلة راجعًا إلى المدينة أو على ظهر طريق مرتحلًا إلى المدينة (فأصبحوا) بكسر الباء على صيغة الأمر في رواية مسلم، وفي البخاري بفتحها على صيغة الماضي وكلاهما صحيح أي فأصبحوا أيها الناس راكبين متأهبين للرجوع إليها (عليه) أي على الظهر، وهذا يدل على أنه إنما عزم على الرجوع لرأي أولئك المشيخة لما ظهر أنه أرجح من رأي غيرهم ممن خالفهم ووجه أرجحية هذا الرأي أنه جمع فيه بين الحزم والأخذ بالحذر وبين التوكل والإيمان بالقدر (فـ) بيان ذلك بحجة عمر على أبي عبيدة رضي الله عنهما حين (قال أبو عبيدة بن الجراح) لعمر (أ) ترجع يا عمر (فرارًا من قدر الله) وحكمه يعني الموت (فقال عمر) له (لو غيرك قالها) أي قال هذه الكلمة لي (يا أبا عبيدة) لأدَّبته لاعتراضه علي في مسألة اجتهادية اتفق عليها أكثر الناس من أهل الحل والعقد أو لكان أولى منك بذلك أو لم أتعجب منه ولكن أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا؟ أو هي للتمني فلا تحتاج إلى جواب والمعنى أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر، قال القرطبي: والحاصل أن أبا عبيدة ظهر له أن لا يرجع ويتوكل على الله ويسلم للقدر لأن ما قدر عليه لا ينجيه منه رجوع ولا فرار فأجابه عمر رضي الله عنه لو غيرك قالها أي ليت غيرك يقول ذلك القول فكأنه قال لا يليق بك هذا القول لعلمك وقدرك وإنما يليق ذلك بغيرك ممن قل علمه وقصر فهمه. وقوله (وكان عمر يكره خلافه) أي مخالفته جملة معترضة من الراوي وليس المراد أنه كان يكره أن ينتقد عليه أحد فكم ثبت عنه أنه عرض نفسه لانتقاد الناس ولكن المراد أنه كان يكره أن يخالفه أحد بعد ما استحكم عزمه على أمر اجتهادي وصل إليه بعد المشاورة الطويلة فأما قبل استحكام العزم فكان ذهنه مستفتحًا لرأي كل أحد ثم احتج عليه عمر بأن قال (نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله) أطلق عليه الفرار لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارًا شرعيًّا، والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه مما يؤذيه