للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ

ــ

تعالى (عمر بن الخطاب) على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم الصحابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم انصرف) عمر راجعًا إلى المدينة لأنه أحوط ولرجحانه بكثرة القائلين به مع موافقة اجتهاده للنص المروي عن الشارع صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: واحتج عمر على أبي عبيدة بأن قال (نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله) إذ لا محيص للإنسان عما قدره الله عليه، لكن أمرنا الله بالتحرز من المخاوف والهلكات وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات والحذر وجلب المنافع ودفع الضرر ثم المقصر في ذلك ملوم عادة وشرعًا ومنسوب إلى التفريط عقلًا وسمعًا وإن زعم أنه المتوكل على الله المسلم لأمر الله ولما بين عمر ذلك المعنى بالمثال لاح الحق وارتفع الجدال ثم لم يبرح عمر من مكانه حتى جاءه الحق ببرهانه فحدثهم عبد الرحمن بن عوف بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فسر بذلك عمر رضي الله عنه سرورًا ظهر لديه فحمد الله تعالى وأثنى عليه حيث توافق الرأي والسمع وارتفع الخلاف وحصل الجمع فرجع من موضعه ذلك إلى المدينة سالمًا موفورًا وكان في سعيه ذلك مصيبًا مشكورًا.

ومن أعظم فوائد هذا الحديث إجماع الصحابة رضي الله عنهم على العمل بالرأي والاجتهاد وقبول أخبار الآحاد كما بينا ذلك في الأصول اهـ من المفهم.

قال النووي: واعلم أن في حديث عمر هذا فوائد كثيرة؛ منها خروج الإِمام بنفسه في ولايته في بعض الأوقات ليشاهد أحوال رعيته ويزيل ظلم المظلوم ويكشف كرب المكروب ويسد خلة المحتاج ويقمع أهل الفساد ويخافه أهل البطالة والأذى والولاة ويحذروا تجسسه عليهم ووصول قبائحهم إليه فينكفوا ويقيم في رعيته شعائر الإِسلام ويؤدب من رآهم مخلين بذلك ولغير ذلك من المصالح، ومنها تلقي الأمراء ووجوه الناس الإِمام عند قدومه وإعلامهم بما حدث في بلادهم من خير وشر ووباء ورخص وغلاء وشدة ورخاء وغير ذلك، ومنها استحباب مشاورة أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة وتقديم أهل السابقة في ذلك، ومنها تنزيل الناس منازلهم وتقديم أهل الفضل على غيرهم والابتداء بهم في المكارم، ومنها جواز الاجتهاد في الحروب ونحوها كما يجوز في الأحكام، ومنها قبول خبر الواحد فإنهم قبلوا خبر عبد الرحمن، ومنها صحة القياس وجواز العمل به، ومنها ابتداء العالم بما عنده من العلم قبل أن يسأله كما فعل

<<  <  ج: ص:  >  >>