للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لنفسه عن العقوبة، وطلبًا لدينه البراءة، قال الأبي: هو من خطاب التهييج، أي من صفة المؤمن أن يتكلم بالخير ويسكت عن الشر فيسلم كقوله في الحديث الآخر "من سكت نجا".

قال الأبي: فيتعارض صدر هذا الكلام وآخره في المباح، وجعل النووي المباح من قسم ما يطلب السكوت عنه، وقال القاضي: واختلف في المباح فقال ابن عباس: لا يكتب إذ لا يُجازى عليه، وقال عكرمة: يكتب لقوله تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} الآية، قال النووي: ولخص الشافعي معنى الحديث فقال: يَنْظرُ من يريد الكلام فإن لم يرَ ضررًا تكلم، وإن رآه أو شك فيه سكت، وخلاصة هذا الكلام من كمال الإيمان صون اللسان.

و(صمت) من باب دخل ونصر، يقال: صمتَ يصْمُتُ صَمتًا وصُمُوتًا وصماتًا وصماتة إذا سكت.

قال القرطبي: "قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" يعني من كان يؤمن بالله تعالى الإيمان الكامل المُنجي من عذاب الله المُوصل إلى رضوان الله تعالى لأن من آمن بالله حق إيمانه خاف وعيده ورجا ثوابه، ومن آمن باليوم الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بما أُمر به وينتهي عما نُهي عنه، ويتقرب إلى الله تعالى بفعل ما يقرب إليه، ويعلم أن من أهم ما عليه ضبط جوارحه التي هي رعاياه، وهو مسؤول عنها جارحة جارحة، كما قال تعالى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦] وقال أيضًا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]، وإن أكثر المعاصي عددًا وأيسرها فعلًا معاصي اللسان، وقد استقرأ المحاسبون لأنفسهم آفات اللسان فوجدوها تنيف على العشرين، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا جملة فقال "وهل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "كل كلام ابن آدم عليه إلا ذكر الله تعالى أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر" رواه الترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا" رواه الترمذي، فمن علم ذلك وآمن به حق إيمانه اتقى الله في لسانه فيتكلم إذا غنم، ويسكت إذا سلم اهـ. وعبارة النووي هنا: وأما (قوله فليقل خيرًا أو ليصمت) فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم

<<  <  ج: ص:  >  >>