رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا) مصورًا بصورة حية لأن الجن لكونه جسمًا لطيفًا يتشكل بصورة الحية (فآذنوه) بالهمزة الممدودة من الإيذان أي فآذنوا ذلك الشيء وأعلموه بالإنذار (ثلاثة أيام) وبينا لكم كيفية الإيذان فيما مر فراجعه (فإن بدا) أي ظهر (لكم بعد ذلك) أي بعد الإنذار والتخويف (فاقتلوه) أي فاقتلوا ذلك الشيء الذي بدا لكم بصورة الحية (فإنما هو) أي ما الشيء الذي بدا لكم إلا (شيطان) لا جن أسلمت وتصورت بصورة الحية، قال العلماء: معناه إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيت ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة عليكم فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلًا للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم والله أعلم اهـ نووي. قوله (هو شيطان) سمي به لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان فإن كل متمرد من الجن والإنس والدابة يسمى شيطانًا كذا في المبارق. قال القرطبي (وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم حين مات الفتى ادع الله أن يحييه لنا) هذا قول أخرجه منهم كثرة ما كانوا يشاهدون من إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم وعموم بركاته.
قوله (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا) قد بينا أن بغير المدينة جنًّا قد أسلموا فتلزم التسوية بينها وبين غيرها في المنع من قتل الحيات إلا بعد الإذن.
ولا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلمًا وأن الجن قتلته قصاصًا لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض وهذا الفتى لم يقصده ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك وإنما قصد إلى قتل ما سوغ له قتل نوعه شرعًا فهذا قتل خطأ فلا قصاص فيه فالأولى أن يقال إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوانًا وانتقامًا وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا" إلى آخر الحديث ليبين طريقًا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ويتسلط على قتل الكافر منهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان" ولذلك قال مالك: أحب إلى أن ينذروا ثلاثة أيام، قال عيسى بن دينار: ينذر ثلاثة أيام وإن ظهر في اليوم مرارًا ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى