(وهذا) الحديث الآتي لفظ (حديث أبي بكر) بن أبي شيبة، وأما ابن المثنى فروى معناه لا لفظه، وأتى المؤلف بهذه الجملة تورعًا من الكذب على محمد بن المثنى لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن اللفظ الآتي لهما (قال) طارق بن شهاب (أول من بدأ بالخطبة) أي أول من قرأ الخطبة (يوم العيد قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد والمراد بالخطبة جنسها أعني الخطبتين (مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي، من أمراء بني أمية، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، وقيل أول من بدأ بها عمر بن الخطاب، ليدرك الصلاة من تأخر، وقيل لما رأى من ذهاب الناس عند فراغ الصلاة بلا استماع خطبة قدمها ليجلسوا وقيل عثمان وقيل معاوية وقيل ابن الزبير فعله أيضًا، والسنة وعمل الخلفاء وفقهاء الأمصار تقديم الصلاة على الخطبة، وعده بعضهم إجماعًا، ولعله بعد الخلات، أو لعله لم يعتد بخلاف بني أمية بعد إجماع الصدر الأول لأنهم كانوا ينالون من علي ويطعنون فيه في خطبهم، فكان الناس إذا فرغوا من الصلاة تفرقوا فِرارًا من سماع خطبهم، فقدموها ليجلس الناس، ولذا قال أشهب: من بدأ بها أعادها بعد الصلاة اهـ من الأبي.
قال القرطبي: والقول بأن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم أصح ما رُوي في أول من قدم الخطبة قبل الصلاة كما يدل عليه قول مروان للرجل (قد ترك ما هنالك) ورُوي أول من فعل ذلك عمر، وقيل عثمان، وقيل ابن الزبير، وقيل معاوية رضي الله عنهم أجمعين.
(قلت) وبعيد أن يصح شيء من ذلك عن مثل هؤلاء لأنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلوا معه أعيادًا كثيرة، والصحيح المنقول عنه صلى الله عليه وسلم والمتواتر عند أهل المدينة تقديم الصلاة على الخطبة فكيف يعدل أحد منهم عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه إلى أن توفي، فإن صح عن واحد من هؤلاء أنه قدم ذلك فلعله إنما فعله لما رأى من انصراف الناس عن الخطبة تاركين لاستماعها مستعجلين، أو ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل ذلك، وأولئك الملأ أعلم وأجل من أن يصيروا إلى ذلك والله أعلم.