حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرُّؤْيَا
ــ
المحموم هو بضم الهمزة وفتح الميم المشددة من التزميل أي لا أغطى بغطاء ولا ألفف برداء كما يلف المحموم، قال الأبي: قوله لا أزمل من التزميل وهو التدثير فالمعنى أرى الرؤيا أحم منها فزعًا غير أني لا أزمل أي لا ألف كما يلف المحموم والمراد أني كنت لشدة خوفي وفزعي من ظاهر ما أرى من الرؤيا أصير محمومًا ولا يبقى بيني وبين الرجل المحموم فرق إلا أن المحموم يزمل عادة وكنت لا أزمل، وقوله (حتى لقيت أبا قتادة) رضي الله عنه غاية لقوله أعرى اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي بفتحتين (فذكرت) أي أخبرت (ذلك) الذي أرى من الحمى عند الرؤيا (له) أي لأبي قتادة.
قال المازري رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان فكأنه جعلها علمًا على أمور يخلقها في ثاني الحال كالغيم على المطر أو كان قد خلقها والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل شيئًا اهـ.
(فقال) لي أبو قتادة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا) مقصورة مهموزة وهو مصدر رأى في المنام رؤيا على وزن فعلى وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف والرؤية مصدر رأى بعينه في اليقظة رؤية هذا هو المعروف من لسان العرب، وقال في الكشاف: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق اهـ، وقال بعض العلماء: الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية وحمل عليه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وقال إنما يعني بها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء لما أراه من عجائب السموات والملكوت وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة اهـ أي سمعته صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة بشرى (من الله) تعالى يبشر بها لمن رآها أو رؤيت له أو تحذير وإنذار له عما لا يصلح له (والحلم) بضم الحاء