قال الأبي: ويبعد الجواب بأن أبا سعيد خاف لأنه غيَّر في الآخر بالقول والفعل إلا أن يقال إنه تشجع بعد بداية الرجل اهـ.
قال القاضي عياض (قوله أما هذا فقد أدى ما عليه) إنكارهما بحضرة هذا الجمع وتسمية أبا سعيد ذلك مُنْكرًا يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة على الخطبة، وأن ما روي من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره لا يصح، إذ لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنما يُغير ما أجمع على إنكاره وإحداثه، وعبارة القرطبي هنا قوله:(فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه) مقتضى هذا السياق أن المنكر على مروان رجل غير أبي سعيد، وأن أبا سعيد مُصَوِّب الإنكار، مُسْتَدل على صحته، وفي الرواية الأخرى أن أبا سعيد هو المنكر على مروان والمستدل، ووجه الجمع بينهما أن يقال إن كل واحد من الرجل وأبي سعيد أنكر على مروان فرأى بعض الرواة إنكار الرجل فرواه، ورأى بعضهم إنكار أبي سعيد فرواه، وقيل هما واقعتان في وقتين وفيه بُعدٌ.
وفيه من الفقه أن سنن الدين والإسلام لا يجوز تغيير شيء منها ولا من ترتيبها وأن تغيير ذلك منكر يجب تغييره ولو على الملوك، إذا قدر على ذلك ولم يدع إلى منكر أكبر من ذلك وعلى الجملة فإذا تحقق المنكر وجب تغييره على من رآه وكان قادرًا على تغييره، وذلك كالمحدثات والبدع والخرافات والمجمع على أنه منكر، فأما إن لم يكن كذلك، وكان مما قد صار إليه الإمام وله وجه من الشرع فلا يجوز لمن رأى خلاف ذلك أن ينكر على الإمام، وهذا لا يختلف فيه، وإنما اختلف العلماء فيمن قلده السلطان الحسبة في ذلك هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه أم لا على قولين اهـ.
(وأما أبو سعيد الخدري) المدني فاسمه سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة له ولأبيه صحبة، استصغر يوم أحد ثم شهد ما بعدها، وكان من علماء الصحابة له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا، يروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وأبو نضرة ورجاء بن زمعة وعياض بن عبد الله وابن المسيب والشعبي ونافع وخلائق، مات بالمدينة سنة (٦٥) ثلاث أو أربع أو خمس وستين، وقيل سنة (٧٤) أربع وسبعين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب