في علمه ونافذِ حكمه من غير وجوب عليه ولا إجبار بل على ما قال:{وَربُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}[القصص: ٦٨] وقد اصطفى الله تعالى من هذا الجنسِ الحيواني نوعَ بني آدم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} [الإسراء: ٧٠]، ويكفيك من ذلك كله أن الله تعالى خلق العالم كله لأجله أي لأجل هذا النوع الإنساني كما قد صرح بذلك عنه لما قال الله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}[الجاثية: ١٣] ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته ومحل رسالته فأولهم آدم عليه السلام ثم إن الله تعالى اختار من نطفته أي من نطفة آدم نطفة كريمة فلم يزل ينقلها من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة فكان منها الأنبياء والرسل كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤)} [آل عمران: ٣٣، ٣٤] ثم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق كما قال: {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[النساء: ١٦٣] ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إسماعيل كنانة كما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ثم إن الله تعالى ختمهم بختامهم وأفهم بإمامهم وشرفهم بصدر كتيبتهم وبيت قصيدتهم شمس ضحاها هلال ليلتها در تقاصيرها (جمع تقصارة وهي القلادة) زبرجدها وهو محمد صلى الله عليه وسلم أَخَّرَه عن الأنبياء زمانًا وقدَّمه عليهم رتبة ومكانًا جعله الله واسطةَ النظام وكفل بكماله أولئك الملأ الكرام وخصَّه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود فهو شفيعهم إذا استشفعوا وقائدهم إذا وفدوا وخطيبهم إذا جمعوا وسيدهم إذا ذكروا فاقتبس من الخبر عيونه، فبيده لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه، ويكفيك أثرة وكرامة "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:
٥٧٩٧ - (٢٢٤٧)(٢)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا يحيى بن أبي بكير)