ينتفع هو به بالعمل بنواقله وآدابه إلَّا الفرائض (و) الثالثة منها وهي القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ (مثل من لم يرفع بذلك) أي بما بعثني الله به (رأسًا) له من الأرض أي لم يستمع إليه بإذنه ولم يبال به (ولم يقبل) بقلبه (هدى الله الَّذي) جئت و (أُرسلت به) يعني لم يستمع ولم يصغ إليه بإذنه الَّذي في الرأس ولم يصدقه بقلبه، فذكر في الحديث الأقسام الثلاثة من الناس ضمنًا كما ذكر الأقسام الثلاثة من الأرض صريحًا، وقال القرطبي: قوله: (فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعَلِم وعلّم) هذا مثل الطائفة الأولى من الأرض. وقوله:(ومثل من لم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به) مثل الطائفة الثالثة من الأرض وسكت عن مثل الطائفة الثانية من الأرض إما لأنها قد دخلت في الأولى بوجه لأنها قد حصل منها نفع في الدين وإما لأنه قد أخبر بالأهم فالأهم وهما الطائفتان المتقابلتان العليا والسفلى وترك الوسطى التي بينهما لفهمها من أقسام المشبه به المذكورة أولًا اهـ من المفهم.
وقال في المبارق: قوله - عليه السلام - من فقه إلى قوله فعلم وعلّم مثل الطائفة الأولى من الأرض، وقوله: من لم يرفع بذلك رأسًا مثل الطائفة الثانية، وقوله: ولم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به مثل الطائفة الثالثة بتقدير ومثل من لم يقبل هدى الله. وقال الكرماني: قوله ونفعه صلة موصول محذوف معطوف على الموصول الأول فيكون الحديث هكذا: فذلك مثل من فقه في دين الله ومثل من نفعه الله .. إلخ فحينئذٍ تكون الأقسام الثلاثة من الأمة المذكورة إلَّا أنها غير مرتبة لأن من فقه في دين الله مثل للثاني ومن نفعه الله به فعلم وعلّم هو الأول ومن لم يرفع به .. إلخ هو الثالث، ومنهم من بيّن الأقسام الثلاثة من الأرض والأمة كالنووي إلَّا أنَّه لم يبتن أي جملة من جمل الحديث مثال لأي قسم من أقسام المشبه والله أعلم.
قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث ضرب مثل لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والدين ولمن جاءهم بذلك فشبَّه ما جاء به بالمطر العام الَّذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك يحييهم ويغيثهم، ثم شبّه السامعين له بالأرض المختلفة فمنهم العالم العامل المعلّم فهذا بمنزلة الأرض الطيبة شربت الماء فانتفعت به في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع المعلّم الحافظ له المستغرق لزمانه في جمعه ووعيه غير أنَّه لم يتفرغ للعمل بنوافله ولا ليتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره كما سمعه فهذا بمنزلة