إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم ليخبرهم بما دهمهم وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم وهو طليعتهم ورقيبهم قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبيَن للناظر وأغرب وأشنع منظرًا فهو بلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو.
أما سبب هذه العادة الجارية فقد ذكروا فيها وجوهًا فمنها ما ذكره أبو بشر الآمدي أن زَنْبَر بن عمرو الخثعمي كان ناكحًا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة أنفار فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوًا فأنذر قومه، وقال غيره: الأصل فيه أن رجلًا لقي جيشًا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانًا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلًا بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبًا لإفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال وهو عند أحمد أيضًا بسند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات "أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوًا أن يأتيهم فبعثوا رجلًا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل ليُنذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن يُنذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أُتيتم" ثلاث مرات. ذكره الحافظ في فتح الباري [١١/ ٣١٧].
وقوله:(فالنجاء) بفتح النون ونصب الهمزة على الإغراء، ووقع في رواية البخاري فالنجاء النجاء مرتين أي: اطلبوا النجاء، والنجاء بمعنى النجاة والتخلص من الشر اهـ تكملة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
٥٨١٣ - (٢٢٥٧)(١٢)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام (القرشي) الأسدي