قبل إهلاكها (فجعله) أي فجعل ذلك النبي (لها) أي للأمة (فرطًا) بفتحتين بمعنى الفارط والفارط المتقدم من الرفقة إلى الماء ليهيء لهم أسباب السقي من الدلاء والرشا والحياض يريد أنَّه شفيع متقدم لهم (وسلفًا) أي سابقًا (بين يديها) أي قدامها إلى الآخرة فهو بمعنى مطلق السابق لهم سواء هيأ لهم المصالح أم لا فعطفه على فرطا من عطف العام على الخاص للتأكيد أو من عطف المرادف، قال القرطبي: وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لهم لأن الموجب لبقائهم بعده إيمانهم به واتباعهم لشريعته ثم إنهم يصابون بموته فتعظم أجورهم بذلك إذ لا مصيبة أعظم من فقد الأنبياء فلا أجر أعظم من أجر من أصيب بذلك ثم يحصل لهم أجر التمسك بشريعته بعده فتتضاعف الأجور فتعظم الرحمة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "حياتي لكم رحمة ومماتي لكم رحمة" اهـ من المفهم ذكره الزبيدي في الإتحاف [٩/ ١٧٦ و ١٧٧]، وابن حجر في المطالب العالية [٣٨٥٣]، وابن عدي في الكامل [٣/ ٩٤٥] وأما إذا أهلكها قبله فذلك لا يكون إلَّا لأنهم لم يؤمنوا به وخالفوه وعصوا أمره فإذا استمروا على ذلك من عصيانهم وتمردهم أبغضهم نبيهم فربما دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكهم فأقر عينه فيهم كما فعل بقوم نوح وغيره من الأنبياء اهـ من المفهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:(وإذا أراد) الله تعالى (هلكة أمة) من الأمم وعذابها (عذبها) بنوع من عقوباته (و) الحال أن (نبيها حي) فيهم (فأهلكها وهو) أي والحال أن نبيهم (ينظر) إلى عذابها النازل بهم (فأقر) أي أبرد (عينه) أي عين النبي (بهلكتها) وأراحه من فسادهم وشركهم (حين كذبوه) فيما جاءهم به من عند الله تعالى (وعصوا أمره) فيما أمرهم به أي خالفوه في أوامرهم ونواهيه فأهلكهم بسبب عصيانهم لنصره عليهم، ومعنى فأقر عينه فرحه وبلغه أمنيته وذلك أن المبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد يقر اهـ دهني.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم لم يروه غيره.
قال القرطبي: وحديث أبي موسى هو من الأربعة عشر حديثًا المنقطعة الواقعة في كتاب مسلم لأنه قال في أول سنده حدثت عن أبي أسامة وممن روى عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حَدَّثَنَا أبو أسامة ثم ذكر السند متصلًا إلى أبي موسى رضي الله عنه