بالاستماع وكانت تعرف أم سلمة أنَّه كلما خاطب القرآن أو رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة فإن النساء يدخلن في الخطاب كما يدخل الرجال فبادرت إلى مطاوعة الأمر والاستماع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وإنما قالت أم سلمة: إني من الناس لأن الناس اسم جنس مأخوذ من النسيان كما قال الشاعر:
وما سُمي الإنسان إلَّا لنسيه ... وما القلب إلَّا أنَّه يتقلب
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم) أيتها الأمة المحمدية (فرط) أي كالفارط المهيئ للقافلة مصالحهم على الماء منتظرًا لكم (على الحوض) وقوله: (فإياي) مفعول مقدم لقوله: (لا يأتين أحدكم) لإفادة الحصر، والمعنى إني فرط لكم على الحوض فلا يأتين أحدكم إياي عند الحوض (فيذب) أي فيدفع (عني) بالرفع على الاستئناف أي فهو يذب ويدفع عني، وبالنصب بأن مضمرة على جعل الفاء عاطفة سببية على جملة النهي، والتقدير لا يكن إتيان أحدكم إياي فذبه عني، والكاف في قوله:(كما يذب) ويطرد (البعير الضال) أي الغريب الَّذي ليس معه صاحبه، وما مصدرية أي فيذب أحدكم ذبًا كذب البعير الضال عن الماء لئلا يشرب مع الإبل التي معها صاحبها، وقوله:(فأقول): أنا على الوجهين معطوف على قوله: (فيذب عني) فأقول أنا للملائكة بسبب ذبه وطرده (فيم هذا) الذب والدفع للواردين على لشرب الحوض فإنهم من أمتي، ولفظ في سببية وم اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الجر بفي بكسرة مقدرة على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة، والجار والمجرور خبر مقدم، واسم الإشارة مبتدأ مؤخر أي هذا الدفع والذب للواردين علي باي سبب فإنهم مني (فيقال) لي من جهة الله أو من جهة الملائكة في جواب استفهامي لا تستغرب يا محمد هذا الذب والطرد لهم فـ (إنك لا تدري) ولا تعلم (ما أحدثوا) وابتدعوا (بعدك) أي بعد وفاتك لأنهم ارتدوا عن دينك ورجعوا على أعقابهم (فأقول) عندئذٍ: سحقهم الله (سحقًا) وبُعدًا وطردهم من رحمته طردًا.
حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى أيضًا عن أصحاب الأمهات الخمس.