فَقَال أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَينَ يدي رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَدَمَعَتْ عَينَا رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال:"تَدْمَعُ الْعَينُ وَيحْزَنُ القَلبُ، وَلَا نَقُولُ إلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا. وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحزُونُونَ"
ــ
(فقال) لنا (أنس): والله (لقد رأيته) أي لقد رأيت الصبي (وهو) أي والحال أن الصبي (يكيد) أي يجود (بنفسه) أي بروحه للملك، ومعناه ولقد رأيته (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقدامه والحال أنه في حالة نزع روحه وقبضها، قال الأبي: معناه يسوق أي في النَّزْعِ، وقال ابن السراج: يكيد من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه تقَلُّع نَفَسِه في الصدر وتردُّدَه في الحلقوم عند الموت بالقيء؛ والمعنى وهو يقيء بروحه، وقيل هو من كيد الغراب، وهو نعيقه (فدمعت) أي سالت (عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالدموع وهو ماء مالح يخرج من العين عند الحزن أو الرمد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين) أي تسيل عيننا بالدموع (ويحزن القلب) أي يتوجع قلبنا بفراقك (ولا نقول) بألسنتنا (إلا ما يرضى) ويحب (ربنا) من الشكر له على ما أعطى والحمد له على ما أخذ (والله) أي أقسمت لك (يا إبراهيم) بالذي نفسي ونفسك بيده (إنابـ) فراقـ (ـك لمحزونون) أي لمتأسفون وموجعون بحرارة الحزن وأم الفراق، قال النووي: قوله تدمع العين .. إلخ فيه دليل على جواز البكاء على المريض والحزن به وعلى أن البكاء الذي لا يملكه الإنسان ليس منافيًا للصبر، وحقيقة الصبر ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"ولا نقول إلا ما يرضى ربنا" وحاصل الصبر التفويض والاعتقاد بأن ما قضاه الله تعالى هو الحق الموافق للحكمة والكف عن التكلم بكلمة تنبيء عن الاعتراض على قضاء الله وقدره وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث ابن عمر عند البخاري في الجائز [١٣٠٤]"إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بِحزن القلب ولكن يُعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم" بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل اهـ نووي مع زيادة وفي قوله:(يا إبراهيم) دليل على جواز استعمال صيغة النداء في الغائب أو الميت باعتبار كونه حاضرًا في الذهن.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [١٣٠٣] , وأبو داود في الجنائز باب البكاء على الميت [٣١٢٦].