محذوف همزة الاستفهام وهي مرادة تقديره أو أملك وكذا جاء هذا اللفظ في البخاري بإثباتها وهو الأحسن لقلة حذف همزة الاستفهام و (أن) مفتوحة الهمزة وهي مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به لأملك ولكنه على حذف مضاف تقديره أو أملك لكم دفع كون الله نزع الرحمة من قلوبكم بتحصيل الرحمة فيها أي لا أقدر على تحصيلها في قلوبكم وقد أبعد من كسرها ولم تصح رواية الكسر ومعنى الكلام نفى قدرته على الإتيان بما نزع الله من قلوبهم من الرحمة.
والرحمة في حقنا هي رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو ضعيف أو صغير يحمله على الإحسان إليه واللطف والرفق والسعي في كشف ما به وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله عاقله وغير عاقله فيها تعطف الحيوانات على نوعها وأولادها فتحنو عليها وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوى للضعيف والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادخرها الله تعالى ليوم القيامة فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها وشدائدها حتى يخلصهم منها ويدخلهم في جنته وكرامته.
وإذا تقرر هذا فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضر المبتلى فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل ومن سلب الله ذلك المعنى منه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ ولم يلطف بضعيفٍ ولا أَشْفقَ على مُبْتَلَى فقد أشقاه في الحال وجعل ذلك علمًا على شقوته في الحال نعوذ من ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الراحمون يرحمهم الرحمن" رواه أبو داود [٤٩٤١] , والترمذي [١٩٢٥] وقال: "لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" متفق عليه رواه البخاري [٦٦٥٥] , ومسلم [٩٢٣] وقال: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقي" رواه أبو داود [٤٩٤٢] , والترمذي [١٩٢٤] وقال: "من لا يرحم لا يُرحم" انظر تخريجه في التلخيص برقم [٢٩٣٧].
وأما الرحمة في حقه تعالى فهي صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نعطلها أثرها الأنعام على عباده والإحسان إليهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.