أنه من الله تعالى في عقوبتين أو فيما بينه وبين الكفار في القتل أو أخذ الجزية أو فيما يخيّره فيه المنافقون من الموادعة والمحاربة أو في حق أمته من الشدة في العبادة أو القصد فيختار في كل هذا الأخذ بالأيسر اهـ (ع)، قال الأبي:(قلت): التخيير بين أمرين هو أعم من كونهما فيما يرجع إليه أو يرجع إلى غيره فإن كان الأول فهو يرجع إلى حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وإن كان الثاني فهو من باب الرفق كما لو أمره الله تعالى بتخيير رجل في التكفير بالعتق أو بالصوم فإنه يختار له الصوم وقد يرجع الأول إلى الرفق أيضًا كما لو خيّره إنسان بين أن يقبل منه هدية كثيرة أو شيئًا أقل فإنه يختار الأقل اهـ منه.
وإنما اختار أيسرهما لأن ذلك أوفق بالعبدية والتواضع لله تعالى لأن من يرجح الأصعب والأشق باختياره فكأنه يدّعي لنفسه الشجاعة والجلادة وذلك مخالف لمقتضى العبدية والتواضع وأيضًا ففي اختيار الأصعب إيقاع للنفس في أمور ربما لا يطيقها الإنسان وهذا مخالف لحقوق النفس والله أعلم اهـ. قوله:(ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا) قال القاضي عياض: إن كان التخيير من الله تعالى فالاستثناء منقطع لأن الله تعالى لا يُخيّر في إثم وكذلك من الأمة وإن كان من المنافق فالاستثناء على وجهه اهـ (وما انتقم) وعاقب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحدًا (لنفسه) أي من أجل نفسه ومن أجل تسكين عواطف الانتقام فقط فلا يرد عليه ما أمر به من قتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل فإنه إنما كان عقوبة لانتهاكهم وارتكابهم حرمات الله تعالى أي ما حرمه الله تعالى من الشرك وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت: (إلا أن تُنتهك) وتُرتكب (حرمة الله) أي ما حرمه الله (عزَّ وجلَّ) وكذلك اقتصاصه ممن لدّه في مرض وفاته إنما كان تأديبًا لهم وصيانة لأنفسهم من عقوبة الله المحتملة بسبب تأذي النبي صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وقولها: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك) .. إلخ تعني أنه كان يصبر على جهل من جهل عليه ويتحمل جفاءه ويصفح عمن آذاه في خاصة نفسه كصفحه عمن قال: يا محمد اعدل، فإن هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله تعالى وما عدلت منذ اليوم، وكصفحه عن الذي جبذ رداءه عليه حتى شقه وأثّر