قال القرطبي: كلاهما مأخوذ من الحمد وقد تقدم الكلام على الحمد في أول الكتاب فمحمد مفعَّل من حمّدت الرجل مشددًا إذا نسبت الحمد إليه كما يقال: شجعت الرجل وبخلته إذا نسبت ذلك إليه فهو بمعنى المحمود، والنبي صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بهذا الاسم فإن الله تعالى قد حمده بما لم يحمد به أحدًا من الخلق وقد قال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} وقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)} إلى غير ذلك وأعطاه من المحامد ما لم يعط مثله أحدًا من الخلق ويلهمه يوم القيامة من محامده ما لم يلهمه أحدًا من الخلق، وقد حمده أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة حمدًا لم يحمد به أحدًا من الخلق فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين.
ويستنبط من تسميته صلى الله عليه وسلم بأحمد أن حمد الله سبحانه وتعالى المتضمن لشكره جل وعلا من أعظم صفات العبودية ومن أعلى الخصائل التي يَتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه ومن أجل ذلك افتتح به القرآن وافتتحت به الصلاة وأمر المسلمون بالافتتاح به كل أمر ذي بال، وذكر الحافظ في الفتح [٦/ ٥٥٥] عن القاضي عياض رحمه الله تعالى: أن أول ما سُمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة أحمد ثم سُمي محمدًا في القرآن وهو إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم صار محمودًا لكونه أحمد الحامدين لله تعالى وكذلك يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى بصفة كونه أحمد فيصير محمدًا ومحمودًا عند الناس والله أعلم.
ثم نقل الحافظ عن عياض أيضًا أنه قال رحمه الله تعالى: حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله، وإنما تسمى بعض العرب محمدًا قُرب ميلاده صلى الله عليه وسلم لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيًّا يُبعث في ذلك الزمان يُسمى محمدًا فرجوا أن يكونوا هو فسموا أبناءهم به لذلك، قال: وهم ستة لا سابع لهم، وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه لا يُعرف في العرب من تسمى بمحمد إلا ثلاثة ولكن رد عليه الحافظ ابن حجر وحقق أنهم خمسة عشر نفسًا وقد ألف فيهم جزءًا مفردًا وذكر أسماءهم في الفتح وأورد روايات تدل على أنهم إنما تسموا بهذا الاسم لما سمعوا من أن نبيًّا سيُبعث يسمى بهذا الاسم.
(وأنا الماحي الذي يُمحى بي) في ضمير العائد التفات إلى التكلم إشارة إلى أنه مختص بهذا المعنى أي وأنا الماحي الذي يمحى ويزال ويضمحل به (الكفر) والشرك أي