من الأرض التي زُويت له وأري أن ملك أمته يبلغه أو يعني بذلك أنه مُحي به معظم الكفر وغالبه بظهور دينه على كل الأديان بالحجج الواضحة والغلبة العامة الفادحة كما صرح به الحق جل وعلا بقوله:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}[التوبة: ٣٣] وقيل: المراد بذلك إزالة الكفر من جزيرة العرب لأن الكفر بقي في كثير من البلدان، وقيل: إنه ينمحي بسببه تدريجًا إلى أن يضمحل في زمن عيسى بن مريم - عليه السلام - فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وقد فسر بعض الرواة الماحي بأنه الذي يمحو الله به سيئات من اتبعه.
(وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي) أي بعدي يعني أنه الذي يحشر الخلق يوم القيامة على أثره أي ليس بينه وبين القيامة نبي آخر ولا أمة أخرى ولا شريعة تنسخ شريعته كما نسخت شريعته سائر الشرائع، وهذا يدل على قوله صلى الله عليه وسلم: "بُعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى رواه البخاري [٦٥٠٥]، وابن ماجه [٤٠٤٠] من حديث أبي هريرة.
(وأنا العاقب) أي الآخر لجميع الأنبياء والمرسلين وخاتمهم كما فسره بقوله: (والعاقب الذي ليس بعده نبي) ولا شريعة، وإن جاء بعده نبي على طريقة الاستخلاف عنه فاندفع الاعتراض بعيسى ابن مريم، وفي الرواية الأخرى:(وأنا المقفي) ومعناهما واحد، قال ابن الأنباري: المقفي بصيغة اسم الفاعل المتبع للنبيين قبله، يقال: قفوته أقفوه وقفيته إذا تبعته ومثله قفته أقوفه من باب قال: ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ قَفَّينَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّينَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}[الحديد: ٢٧] وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦] وقافية كل شيء آخره اهـ من المفهم. قوله:(والعاقب الذي ليس بعده نبي) وهذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوعًا ويؤيده ما أخرجه الترمذي من طريق ابن عيينة بلفظ (الذي ليس بعدي نبي) ويحتمل أن يكون مدرجًا من الراوي ويؤيده ما سيأتي في رواية عقيل قلت للزهري: وما العاقب؟ قال: الذي ليس بعده نبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٤/ ٨٠]، والبخاري في الأنبياء باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [٣٥٣٢] وفي التفسير سورة الصف [٤٨٩٦] والترمذي في الأدب باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [٢٨٤٠].