الآخرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر كاليوم قط في الخير والشر) وجملة إن في قوله: (إني صررت لي الجنة والنار) تعليل للنفي المذكور قبلها أي وإنما قلت: لم أو قط كاليوم لأني صورت ومثلت وكشفت لي الجنة والنار (فرأيتهما دون هذا الحائط) أي أقرب من هذا الجدار يعني جدار المسجد القبلي؛ أي حالة كونهما أقرب إيئ من هذا الحائط، وهذا الكلام محمول على الحقيقة لا على التوسع والمجاز فإنه لا خير مثل خير الجنة ولا شر مثل شر النار، وقط هي من الظروف الزمانية مستغرقة لما مضى من الزمان ملازمة للنفي غالبا، ورويناها هنا مفتوحة القاف مضمومة الطاء مشددة وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف، وتقال بضم القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء وذلك مع التشديد والتخفيف فأما قط بمعنى حسب فبتخفيف الطاء وسكونها، وقد تزاد عليها نون بعدها فيقال: قطني وقد تحذف النون فيقال: قطي وقد تحذف الياء فيقال: قط بكسر الطاء، وقد يبدل من الطاء دال مهملة فيقال: قد وتكون على تلك الأوجه كلها بمعنى حسب كله من الصحاح، وقوله:(إني صورت لي الجنة والنار) .. إلخ، وفي البخاري:"لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط" وفي البخاري في هذا الحديث: "لقد رأيت الآن منذ صليت بكم الصلاة الجنة والنار ممتثلين في قبلة هذا الجدار" ظاهر هذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها أنه صلى الله عليه وسلم رأى مثال الجنة والنار في الجدار الذي استقبله مصورتين فيه وهذا لا إحالة فيه كما تتمثل المرئيات في الأجسام الصقلية بقي أن يقال: فالحائط ليس بصقيل ويجاب بأن اشتراط الصقالة في ذلك ليس بشرط عقلي بل عادي وذلك محل خرق العادة ووقتها فيجوز أن يمثلها الله فيما ليس بصقيل على مقتضى ظاهر هذا الحديث، وأما على مقتضى ظاهر أحاديث الكسوف فيكون رآهما حقيقة ومد يده لياخذ قطفا ورأى النار وتأخر مخافة أن يصيبه لفحها ورأى فيها فلانا وفلانة وبمجموع الحديثين تحصل أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار مرتين: إحداهما: في صلاة الكسوت إطلاع رؤية كما سبق في بابه، وثانيهما: هذه الإطلاعة وكانت في صلاة الظهر كما قد جاء في بعض طرق حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم بعدما زاغت الشمس فصلى بهم الظهر ثم قام فخطب وذكر نحو ما تقدم، وقد نص عليه البخاري كما نقلناه عنه آنفا اهـ من المفهم.