والمطاعنة في النسب (فقال) ذلك الرجل: (يا نبي الله من أبي؟ ) الذي أولدني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة) الذي تدعى به وتنسب إليه لأنه صاحب الفراش والولد يُنسب لصاحب الفراش.
قال القرطبي: قوله: (ثم أنشأ رجل من المسجد) أي أخذ في الكلام وشرع فيه، قوله:(كان يلاحى) بالبناء للمجهول أي يعبر ويذم بأن ينسب إلى غير أبيه وينفى عن أبيه، وسبب هذا ما أنكحة الجاهلية عليه فإنها كانت على ضروب كما سبق في النكاح، وكان منها أن المرأة يطؤها جماعة فإذا حملت فولدت دُعي لها كل ما أصابها فتلحق الولد بمن شاءت فيلحق به فربما يكون الولد من خسيس القدر فتلحقه بكبير القدر فإذا نفي عمن له مقدار وألحق بمن لا مقدار له ألحقه من ذلك نقص وعار وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك لينسب لأبيه الحقيقي الذي وُلد من نطفته وتزول عنه تلك المعرة، فسأل هذان الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك فقال لأحدهما:"أبوك حذافة" وقال للآخر: "أبوك سالم مولى شيبة" فتحقق نسبهما وزالت معرتها اهـ من المفهم.
(ثم أنشأ) أي أخذ وشرع في الكلام (عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا عائذًا) أي نعوذ عياذا (بالله) فهو مصدر على صيغة اسم الفاعل منصوب بفعله المحذوت وجوبا كما قدرناه (من سوء الفتن) أي من الفتن السيئة والعقوبة الشديدة، والإضافة فيه من إضافة الصفة إلى المَوصوف فهو صفة كاشفة له لأن الفتن لا تكون إلا سيئة، وفي رواية (عائذ بالله) بالرفع على أنه خبر لمحذوت أي أنا عائذ أي مستجير مستعيذ بالله من سوء الفتن، والفتن جمع فتنة وقد تقدم أن أصلها الاختبار وأنها تطلق على معان متعددة، ويعني بها هنا المحن والمشقات والعذاب ولذلك قال:"من سوء الفتن" أي من سيئها ومكروهها، ولما قال ذلك عمر وضم إلى ذلك قوله:(إنا نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ) كما جاء في الرواية الأخرى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يحدثهم بما أطلعه الله عليه من أمور