قال: لم يكذب إبراهيم النبي) الخليل (- عليه السلام - قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية في عمره أي لم يجر على لسانه ما هو الكذب عند المتكلم لأنه قصد التورية وإن كان على صورة الكذب عند المخاطب (إلا ثلاث كذبات) بفتح الذال وكسرها وجمع كذبة بسكونها وهي المرة من الكذب، قال أبو البقاء: الجيد أن يقال: بفتح الذال في الجمع، وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من ذكر قول إبراهيم هذا ربي فأجيب عنه بأنه في حالة الطفولية وهي ليست زمان التكليف أو المقصود منه الاستفهام للتوبيخ والاحتجاج اهـ محمد الدهني (ثنتين منها في ذات الله) أي لأجل الله تعالى أو في أمر الله، قال الشارح: أي في أمر الله وما يختص به إذ لم يكن لإبراهيم نفسه فيه أرب لأنه قد قصد في الأول أن يتخلف عن القوم بهذا العذر فيفعل بالأصنام ما فعل وبالثانية إلزام الحجة عليهم بأنهم ضُلال سفهاء في عبادة ما لا ينفع ولا يضر اهـ مرقاة باختصار؛ فمعنى قوله:(ثنتين في ذات الله) يعني تكلم بهما على سبيل التورية لإثبات توحيد الله تعالى ووقع في حديث ابن عباس عند أحمد: والله إن جادل بهن إلا عن الله نقله العيني في العمدة [٧/ ٣٥٤] إحداهما: (قوله) أي قول إبراهيم لقومه حين طلبوا منه الخروج معهم إلى محافلة عيدهم معتذرًا إليهم (إني سقيم) أي مريض لا أستطيع الخروج معكم إلى العيد وكان ظاهر هذا الكلام أنه مبتلى بمرض لا يستطيع معه الخروج فعذروه ولكنه أراد بذلك شيئًا يسيرًا اعتراه من عدم اعتدال المزاج لا يمنع مثله من الخروج ولكن يصح عليه إطلاق اسم السقم، ويحتمل أن يكون قد أراد بالسقم حزن طبعه مجازًا وكان يحزن لما يرى من وقوعهم في الشرك وارتكابهم للمعاصي (و) ثانيهما (قوله بل فعله كبيرهم هذا) أي وقول إبراهيم بل فعل هذا القطع والكسر أي قطع الأصنام الصغار كبير الأصنام الذي أخذ الفأس الذي قطع به الصغار غيرة عليهم لطلبه الاستبداد بالعبادة، قال القرطبي: لما كسر الأصنام ترك الكبير لينسب إليه كسرها حين سألوه ليقطعهم بالحجة فإنهم لما رجعوا من عيدهم فوجدوا الأصنام مكسرة {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩)} [الأنبياه / ٥٩] فقال بعضهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياه / ٦٠] وكان هذا الذكر هو قول إبراهيم لهم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)}