الثانية (بصعقة) وغشية (يوم الطور) يوم تجلى ربه للجبل (أو) أخذته هذه الصعقة و (بُعث قبلي) وفي رواية البخاري أم بُعث قبلي يعني أنه - عليه السلام - استثني من الصعقة بنفخ الصور لصعقة أصابها يوم تجلى ربه للطور، والصعق بفتح العين والصعقة بسكونها قد يراد منهما الهلاك والموت وقد يراد بهما الغشي، ومنه قوله تعالى:{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} فإنه خر مغشيًا لا ميتًا (ولا أقول أن أحدًا) من الناس (أفضل من يونس بن متى عليه السلام) قال المازري: هذا الكلام يدل على المنع من التفضيل وأنه امتنع منه فيحمل على أنه كان قبل أن يوحى إليه أنه الأفضل ولا يدل على أن يونس - عليه السلام - أفضل من المرسلين حتى يعارض حديث"أنا سيد ولد آدم" اهـ من الأبي، وقد استشكل هذا الحديث بأن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيًّا في هذه الدار فأما من مات قبله فيستحيل أن يموت ثانيًا وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث وإن موسى - عليه السلام - قد مات فلا يصح أن يموت مرة أخرى ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق، وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة مختلفة: الأول منها ما ذكره العيني في عمدة القاري [٦١/ ٦٨] وحاصله أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كان قد طرأ عليهم الموت بالنسبة لنا ولكنهم أحياء في قبورهم ولا تأكل أجسادهم التراب فموتهم في الحقيقة انتقال من دار إلى دار، وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السماوات والأرض فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشي فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي ومن غُشي عليه أفاق، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أول من يفيق غير أنه يرى موسى - عليه السلام - فيتردد هل كان قد استثني من الصعقة أوكان قد أفاق قبله. والثاني ما ذكره الحافظ في الفتح [٦/ ٤٤٤] من أن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم كما وقع في سورة النمل: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتًا ثم يُنفخ الثانية للبعث فيفيقون كلهم أجمعون وعلى هذا كان الأصل أن يصعق موسى عليه السلام مع سائر الموتى فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم آخذًا بالعرش تردد هل استثني من الصعقة أو أفاق قبله. والثالث ما ذهب إليه القاضي عياض وذكره النووي وغيره