وحاصله أنه ليس المراد من الصعقة في حديث الباب صعقة تعقب النفخة الأولى للصور حتى يرد الإشكال، وإنما المراد صعقة أخرى تحدث بعد البعث حين تنشق السماء والأرض والمراد من هذه الصعقة الغشي لا الموت بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن الخلوص منها بالإفاقة، والإفاقة لا تكون إلا من الغشي ولو كان المراد الموت لاستعمل كلمة البعث فلما كانت هذه الصعقة بعد البعث كان الأصل أن يُصاب بها كل من بُعث من قبره ومنهم موسى - عليه السلام - ولذا تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه قائمًا بالعرش، والأقرب منها إلى الصواب ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح وهو الثاني منها من أن المراد بالصعقة ما يعقب النفخة الأولى، وعليه يدل ظاهر الحديث من أنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات والأرض، وإن هذه الصعقة تصيب الأحياء والأموات جميعا أما الأحياء فصعقهم الموت وأما الأموات فإن الصعقة أي الغشي تصيب أرواحهم وهذا على ما حقق من أن الأموات تخرج أرواحهم من أبدانهم وتكون لهم حياة برزخية إلى يوم القيامة فلما قامت القيامة ونُفخ في الصور انتهت حياتهم البرزخية أيضًا فلا إشكال في صعق الأموات حينئذٍ وعلى هذا فإن موسى عليه السلام وإن كان ميتًا عند النفخة الأولى غير أنه كان الأصل أن تصيب روحه الصعقة كما تصيب غيره من الأموات ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه بالعرش تردد هل قد استثني من الصعقة أو أفاق قبله وبما أن أحوال البعث والنشور خارجة عن تصورنا لا نستطيع إدراك كنهها بجميع تفاصيلها والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلى كل الأجوبة المذكورة ففي حديث الباب دلالة على خصوصية فاضلة لسيدنا موسى - عليه السلام -.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري ذكره في مواضع كثيرة منها في الخصومات باب الخصومة بين المسلم واليهودي [٢٤١١] وفي الرقاق باب نفخ الصور [٦٥١٧]، وأبو داود في السنة باب في التخيير بين الأنبياء [٤٦٧١]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الزمر [٣٢٤٥]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [٤٣٢٨].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
٥٩٩٨ - (٠٠)(٠٠)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،