"أَتْقَاهُم" قَالُوا: لَيسَ عَنْ هَذَا نَسْألُكَ. قَال:"فَيُوسُفُ نَبِي الله ابْنُ نَبِي الله ابْنِ
ــ
جواب السائل أكرم الناس (أتقاهم) لله تعالى أي أكثرهم بتقوى الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي رواية البخاري:(أكرمهم أتقاهم) وهذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي أكثرهم خشية لله تعالى (قالوا) أي قال السائلون: (ليس عن هذا) الأتقى (نسألك) يا رسول الله أي ليس نسألك عن هذا الأتقى الذي أجبتنا به وإنما أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأتقى لظنه أنهم يسألونه عن الصفات التي يكرم بها الإنسان على سبيل العموم فلما قالوا ليس عن هذا نسألك ظن أنهم يسألونه عن خصوص من أُوتي هذه الصفات مع شرف النسب وفُضل بها على سائر الناس (قال: فـ) أكرم الناس (يوسف) نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله وقد جمع يوسف - عليه السلام - مكارم الأخلاق مع شرف النبوة وشرف النسب، وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل الله - عليه السلام - وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة وحياطته للرعية وعموم نفعه إياهم وشفقته عليهم وإنقاذه إياهم من تلك السنين.
وإنما أطلق عليه أكرم الناس من جهة أنه - عليه السلام - جمع بين مكارم الأخلاق مع كونه نبيًا ابنًا لثلاثة أنبياء متناسلين وهذه الخصوصية لا يشاركه فيها أحد، قال الأبي: ولا يلزم من اختصاص يوسف - عليه السلام - بتلك الفضيلة أن يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم فإن المفضول قد يختص بفضيلة ولا يلزم أن يكون بسببها أفضل اهـ.
"قلت": أما كونه مفضولًا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارضه حديث الباب لأن المتكلم خارج عن التفضيل لا سيما في جواب الصحابة الذين كانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البرية فظاهر أن سؤالهم كان عن أكرم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يشكل عليه فضيلة إبراهيم وموسى عليهما السلام ويُجاب عنه بما أجاب به الأبي من أنه أكرم الناس بهذه الجهة المخصوصة.
وعبارة القرطبي:(قول السائل من أكرم الناس) معناه من هو أولى بهذا الاسم ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب كلي فقال: "أتقاهم" وهذا منتزع من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣] فلما قالوا ليس عن هذا نسألك نزل إلى ما يقابله وهو الخصوص بشخص معين، فقال يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: لأنه نبي بن نبي بن نبي بن نبي عليهم السلام فإن هذا لم يجتمع لغيره من ولد آدم فهو أحق الناس المعنيين