للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَبِي الله ابْنِ خَلِيلِ الله" قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسألُكَ. قَال: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألُوني؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِليةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا"

ــ

بهذا الاسم، فلما (قالوا: ليس عن هذا نسألك) تبين له أنهم سألوه عمن هو أحق بهذا الاسم من العرب و (قال فعن معادن العرب) أي عن أكرم أصولها وقبائلها (تسألوني) فأجابهم بقوله: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) في الدين، معناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس.

قوله: (فعن معادن العرب تسألوني) والمعادن جمع معدن مأخوذ من عدن إذا أقام والعدن الإقامة ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سُميت معادن أي فعن أصولهن التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها تسألوني بتشديد النون بإدغام نون الرفع في نون الوقاية نظير قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونِّي} ويجوز تخفيفها بحذف إحداهما لتوالي الأمثال، وإنما سُميت القبائل معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت أو شبهها بالمعادن لكونها أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر اهـ فتح الباري [٦/ ٤١٥].

ثم قال: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف أي صاروا فقهاء عالمين بالشرع، قال القرطبي: فمعنى هذا أن من اجتمع له خصال شرف في زمن الجاهلية من شرف الآباء ومكارم الأخلاق وصنائع المعروف مع شرف دين الإسلام والتفقه فيه فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدم أن الكرم كثرة الخير والنفع ولما كانت تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا كان المتصف بها أحق بهذا الاسم فإنه أكرم الناس لكن هذه قضية عامة فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة ظهر له أن الأنبياء بهذا المعنى إذ لا يبلغ أحد درجتهم وإن أحقهم بذلك من كان معرفًا في النبوة وليس ذلك إلا ليوسف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى ثم إنه لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين وعلموا وعملوا فحازوا كل الرتب الفاخرة إذا اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة، وفيه ما يدل على شرف الفقه في الدين وأن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات إلا إن خاف على السائل غلطًا أو سوء فهم فيستفصله كما هو مقرر في الأصول اهـ من المفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>