للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدَّثَهُ قَال: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ. فَقُلتُ:

ــ

صحابي (حدثه) أي حدث أبو بكر لأنس (قال) أبو بكر: (نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن) أي أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (في الغار) أي في غار ثور، والألف واللام في الغار للعهد الذهني كما هو مقرر في علم النحو، وضابط هذه اللام ما عهد مصحوبها ذهنًا لا ذكرًا أي في غار جبل الثور عند هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وهذا الغار صخرة على رأس الجبل وهي مجوفة خاوية ليس لها منفذ إلى الداخل إلا في أسفلها بحيث يمكن للرجل أن يدخلها مضطجعًا على بطنه فلما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وجاء بعض أهل مكة في طلبهما أبصر أبو بكر رضي الله عنه أقدامهم من ذلك المنفذ الذي هو في أسفل الصخرة فلم يستطع أن يبصر غير الأقدام لكون المنفذ في أسفل الصخرة.

وحاصل هذه القصة أن المشركين اجتمعوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيتوه في داره فأمر عليًّا فرقد على فراشه وقال له: لن يضروك فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على بابه فأخذ الله أبصارهم عنه، ولم يروه ووضع على رأس كل واحد منهم ترابا وانصرف عنهم خارجا إلى غار ثور، فاختفى فيه فاقاموا كذلك حتى أخبرهم مخبر أنه قد خرج عليهم وأنه وضع على رؤوسهم التراب فمدوا أيديهم إلى رؤوسهم فوجدوا التراب فدخلوا الدار فوجدوا عليًّا على الفراش فلم يتعرضوا له، ثم خرجوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقتصون أثره بقائف (والقائف من يعرف الآثار ويتتبعها، ومن يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود) كان معروفًا عندهم إلى أن وصلوا إلى الغار فوجدوه قد نسجت عليه العنكبوت من حينه وفرخت فيه الحمام بقدرة الله تعالى، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا الغار ما دخله أحد، ثم إنهم صعدوا على أعلى الغار فحينئذٍ رأى أبو بكر أقدامهم فقال بلسان مقاله مفصحًا عن ضعف حاله لو نظر أحدهم إلى قدميه أبصرنا فأجابه من تدلى فدنا بما يذهب عنه الخوف والضنى بقوله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة / ٤٠] أي بالحفظ والسلامة والصون والكرامة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في الغار ثلاثة أيام حتى تجهز، ومنه هاجر إلى المدينة، وكل ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ثقة بوعد الله تعالى وتوكل، ودليل على خصوصية أبي بكر من الخلة وملازمة الصحبة في أوقات الشدة بما يسبق

<<  <  ج: ص:  >  >>