للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ"

ــ

(سالكًا) أي داخلًا (فجًّا) من الفجاج أي طريقًا من الطرق (إلا سلك) الشيطان (فجًّا غير فجك) أي طريقًا غير طريقك الذي سلكت فيه هيبة منك وخوفًا. (قوله: أنت أغلظ وأفظ) هو أفعل تفضيل من الغلظة والفظاظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فإنه يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فظًا ولا غليظًا (والجواب) أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلًا، وجوز بعضهم أن الأفظ ها هنا بمعنى الفظ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدًا بما يكره إلا في حق من حقوق الله، وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقًا وطلب المندوبات فلهذا قال النسوة له ذلك.

(وقوله: إلا سلك فجًّا غير فجك) الفج الطريق الواسع، وفيه فضيلة عظيمة لعمر الفاروق رضي الله عنه وحمله النووي على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكًا فجًّا هرب منه هيبة عمر وذهب إلى فج آخر، ولم يذكر في الروايات مثل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه ثابت له بالطريق الأولى بدلالة هذا النص، قال الحافظ في الفتح [٧/ ٤٧] إن ذلك لا يقتضي وجود العصمة لعمر، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته، فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق عمر فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي غيره ممكنة، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائه منه، وإن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان، وحاصله أن الشيطان لا يتمكن من إغوائه ولا إغواء غيره بمحضر من عمر رضي الله عنه، وهذا التفسير هو الذي يظهر أنه الأولى بهذا المقام والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [١/ ١٧١] والبخاري في مواضع منها باب مناقب عمر بن الخطاب [٣٦٨٣].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد لحديث سعد وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>