آخرها من الناس وهو عشية يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الأول من سنة اربع وأربعين وثلاثمائة وكان يملى عشية كل اثنين من أصوله مما ليس في الفوائد أحاديث فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء من كل فج عميق وقد قاموا يطرقون له ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده فلما بلغ المسجد جلس على جدار المسجد وبكى طويلا ثم نظر إلى المستملي فقال: اكتب! سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول سمعت ابا سعيد الأشج يقول سمعت عبد اللَّه بن إدريس يقول: أتيت يوما باب الأعمش بعد موته فدفعت الباب فقيل: من هذا؟ فقال: ابن إدريس، فأجابتني امرأة يقال لها برة: هاي هاي يا عبد اللَّه بن إدريس! ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتى هذا الباب؟ ثم بكى الكثير ثم قال: كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحد منكم فانى لا اسمع وقد ضعف البصر وحان الرجيل وانقضى الأجل. فما كان الا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة وانصرف الغرباء إلى أوطانهم ورجع امر أبى العباس إلى أنه كان يناول قلما فإذا اخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويقرأ الأحاديث التي كان يحفظها وهي أربعة عشر حديثا وسبع حكايات وصار بأسوإ حال إلى شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين، فتوفى أبو العباس ﵀ ليلة الاثنين، ودفن عشية الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وثلاثمائة فغسله أبو عمرو بن مطر، وشهدت جنازته بشاه هنبر فتقدم أبو عمرو بن مطر للصلاة عليه ودفن في مقبرة شاه هنبر. ورئي في المنام فقيل: إلى ما ذا انتهى حالك أيها الشيخ؟ فقال: انا مع أبى يعقوب البويطي