فقال: يا أمير المؤمنين! شهادة زور، وقول غرور، وملق معتف، وطالب عرف، وأصدق منه ابن أخت لي حيث يقول:
دعيني اجوب الأرض ألتمس الغنى … فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم
فضحك المأمون وسكن غضبه. وحكى ابنه دلف بن أبي دلف قال:
رأيت كان آتيا أتى بعد موت أبى فقال: أجب الأمير! فقمت معه فأدخلنى دارا وحشة وعرة سوداء الحيطان مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدنى درجا فيها، ثم أدخلني غرفة فإذا في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد، وإذا أبى عريان واضعا رأسه بين ركبتيه فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم، أصلح اللَّه الأمير! فأنشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم … ما لقينا في البرزخ الخنّاق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا … فارحموا وحشتي وما قد ألاقى
أفهمت؟ قلت: نعم، ثم أنشأ يقول:
فلو كنا إذا متنا تركنا … لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا … فنسأل بعده عن كل شيء
انصرف! قال: فانتبهت. مات أبو دلف في سنة خمس وعشرين ومائتين وأبو عمارة أحمد بن عمارة بن الحجاج الكرجي الحافظ، قدم أصبهان وسمع من أحمد بن عصام، وروى عن البغداديين مثل محمد بن إسحاق الصاغاني وعباس بن محمد الدوري وغيرهم، وكان أبو أحمد العسال يثنى عليه ويذكر فضله، روى عنه أحمد بن عبد اللَّه المقرئ سمع منه بالكرج.