معاني القرآن، والآثار في القراءات، وكان قد سمع من سليمان بن أرقم وأبى بكر بن عياش ومحمد بن عبيد اللَّه العرزميّ وسفيان بن عيينة وغيرهم، روى عنه أبو توبة ميمون بن حفص وأبو زكريا الفراء وأبو عبيد القاسم ابن سلام وأبو عمر حفص بن عمر الدوري وجماعة، وإنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيا، فجلس إلى الهباريين - وكان يجالسهم كثيرا - فقال: قد عييت! فقالوا له:
أتجالسنا وأنت تلحن؟ قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل «أعييت» وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل «عييت» مخففة، فأنف من هذه الكلمة ثم قام من فوره ذلك، فسأل عن من يعلم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقى الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة! فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال:
من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، فلم يكن له همّ غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس في موضعه يونس النحويّ (١)، فمرت بينهم مسائل أقرّ له يونس فيها وصدره موضعه. وقال الفراء:
قال لي قوم: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم! فأعجبتني نفسي، فناظرته [وزدت] فكأني كنت طائرا أشرب من بحرمات الكسائي