حُجاج بيت الله الحرام، اعلموا أن من أهم مقاصد الحج تحقيق معاني الأخوة الإسلامية، ففي الحج تتساوى الرءوس، ولا تستطيع أن تُفَرِّق بين غني وفقير، أو بين شريف ووضيع، أو بين رئيس ومرءوس؛ فالكُل يَلبس البياض إشارة إلى فقره وحاجته إلى الله تعالى، وإلى أنه لن يَخرج من الدنيا إلا بهذا الإزار والرداء، لا فضل هنا لأحد على أحد بمال أو جاه أو لون أو نَسَب أو أي غرض من أغراض الدنيا، إنما يَشرف الإنسان في هذا الموضع بالتقوى.
فتتجلى في الحج رُوح المساواة والوحدة، فالوحدة تَرى معناها في الحج واضحًا جليًّا! وحدة في المشاعر، وحدة في الشعائر، وحدة في الهدف، وحدة في العمل، وحدة في القول، لا عصبية ولا عنصرية لِلَون أو جنس أو طبقة، فالناس من آدم، وآدم من تراب، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢].
أرى الناس أصنافًا ومن كل بقعة … إليك انتهوا من غربة وشتات
تَساوَوْا فلا أنساب فيها تَفاوُت … لديك ولا الأقدار مختلفات
هنا تَظهر الرابطة الإسلامية، وتُدفَن العصبية والنعرات الجاهلية، هنا الأقرب لله أكثرهم تقوى، لا مال ولا نَسَب. هنا تَظهر صورة الإسلام بجماله وروعته وعظمته.
هنا الأماني هنا الأمجاد قد رُفعت … هنا المعالي هنا القربى هنا الرحمُ
هنا القلوب استفاقت من معاقلها … هنا النفوس أتت للحق تزدحمُ
هنا رُوَاء هنا فجر هنا أمل … هنا كتاب هنا لوح هنا قَلَمُ
فباجتماع المسلمين في بلادهم المقدسة وتعاونهم، تتقارب قلوبهم وإن تباعدت أجسادهم، وتجتمع كلمتهم وإن تَفَرَّقَ شملهم، وتنتظم صفوفهم وإن تبعثرت وجهاتهم، فيصبحون على كثرتهم وتَعَدُّد أوطانهم وتباعد بلادهم- جسدًا واحدًا، وإذا اشتكى عضوًا منه تداعى له سائره بالحُمى والسهر.
فيجب علينا أن نَشعر بعمق تلك الوحدة في حياتنا، فنتحسس من خلالها آلام المضطهدين والمعذبين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حيث يسامون على أيدي أعداء الله ألوان العذاب والتنكيل.